قيدت ضد مجهول

Posted: الخميس,15 أكتوبر, 2009 by التركى in إجتماعية

لم تفارق البسمة شفاه أم المؤمنين (كما يحلو لأبو مجاهد المرحوم زوجها تسميتها) وهى تطالع ألبوم صور العائلة … وقفت كثيرا أمام صورها بالابيض والأسود وكذلك الملونة مرورا بالصور ذات التلوين اليدوى .

كيف جرت السنين وهى تتذكر جيدا بالأمس القريب عندما حذرتها امها بلهجة صارمة (بتعليمات من الحاج طبعا) بت ياعشة تانى لما تطلعى البير مع ناس فطين صحباتك ماتلبسى طرحة شيلى توبى القديم دا أمشى بيهو ….. كان ذلك ايذانا ببدء أشياء لم تفهما الى أن اعترتها رعشة وهى تحس نظرات  الأستاذ القادم من (الخرتوم) تسرى فى جسدها كلما مرت أمام منزله على طرف الفريق. استغربت لهذا الشعور المفاجئ خاصة وهى بت وجيه القرية وكل الشباب معجب بها خلقة وأخلاقا لكنها لم يحدث أن تجاوبت مع احدهم  بل لم تشعر بشئ كهذا قط .

فاجأتها جرأة  أستاذ الفاضل وهو يطلبها من ابيها الذى رفض الموضوع جملة وتفصيلا لأن أولاد الخرتوم (سحاسيح) وليس عليهم سند, لكن بمرور الايام أثبت أستاذ الفاضل بأنه اسم على مسمى وأن تلك الصفة ماهى الا محط افتراْ وتهمة ألصقت بجيله مما جعله سعيدا وهو يبرهن على أن  مروءة ورجولة أولاد الخرتوم لاتقل عن نفس الصفات بابنائهم .

زفت عشة  الى الفاضل فى حفل جمعت فيه كل لمبات ورتاين القرية, غنى فى الحفل لأول مرة فنان من الاذاعة حتى أن عشة لم تصدق اذنيها وهى تسمع مقدم الحفل يردد (لايزال الليل طفلا يحبو)  مع أن  معظم بنات الفريق لم يستمتع بهذا الحدث العظيم لأن أولياء امورهم منعوهم من حضور العرس خوفا عليهن من اولاد وبنات الخرتوم.

أقنع الفاضل عشة أن تربية ابنائهم  فى الخرتوم افضل لهم من قرية فيها الداية طبيب اختصاص . لم يمض عام على زواجهما حينما اتخذا امدرمان مقرا لهم  ….  مع حنين عشة الدائم الى قريتها ورائحة الدعاش الا أنها تأقلمت على أجواء الخرتوم ومشقاتها فانجبت وعلمت ابناء يشار اليهم بالبنان وزادها فخرا أحد ابناؤها حيث منحها لقب أم الشهيد بالرغم من الألم الذى لازم هذه الصفة . ولا تدرى لماذا صارت تقرن بين ابنها الشهيد وزوجها المرحوم الذى توفى فى حادث مرورى وهم فى طريقهم لحضور حفل تخريج اصغر ابنائهم من كلية الشرطة قبل اكثر من عشرة سنوات وهو العمر الذى لم تعانق فيه نظراتها المرآة حتى اليوم . وهاهى اليوم تزف آخر بناتها ولا تدرى كيف ستعيش لوحدها فى هذا المنزل الكبير الملئ بالذكريات.

وهى فى غمرة نشوتها واجترار ذكرياتها بين الصور لم تنتبه الى الصوت المنبعث من داخل غرفة النوم وقد تكون سمعته لكنها كانت تمنى نفسها بأن تكون هرجلة ابنتها المغادرة توا لقضاء شهر العسل لذا فضلت عدم القيام والنظر حتى لا يخيب ظنها فيما رمت اليه. ماهى الا لحظات وشعرت بانفاس تتلاحق فوق رأسها فنظرت الى صورة ابو مجاهد ثم الى أعلى لتفاجأ بشخص يحمل سلاحا ابيض بينما لازالت الاصوات تنبعث من الغرفة الى حيث اقتادها وهناك وجدت آخرا يبعثر محتويلتها باحثا عن شئ ما …  وتحت التهديد والتعذيب سلباها كل ماتملك من مال وأخذوا كل ما خف وزنه وغلا ثمنه … وأثناء مغادرتهما لمح أحدهما خاتما وغويشة على يدها فحاول انتزاعهما لكنها قاومت بشدة وعندما بلغ منها الاعياء مبلغه استحلفتهم بالله أن يتركا لها هذين القطعتين لأنهما ذكرى من المرحوم وأنها لا تستطيع الاستغناء عنهما …. لم تشفع لها عندهما دموعها المنهمرة ولا شقى سنينها المنعكس على شعرها ..  فعاجلها أصغرهما  بضربة على  رأسها لم تستطع رجلاها أن تصمدا امامها فترنحت  وسقطت أرضا لكنها لم تستلم فماكان من الآخر الا أن عالجها بطعنة من سكينة برزت على اثرها نواجز أم المؤمنين فى هيئة لا هى بسمة ولا (تكشيرة) ثم خمدت وكان آخر ماتفوهت به ( اشتقت ليك ياابومجاهد جايالاك  استنانى ) … ولا يزال التحرى مستمر .

معانى ومعانى :

ذات التلوين اليدوى : كانت الصور بالابيض والأسود فتلون باليد لتعطى انطباع التصوير الملون.

فطين : فطومة وهى فاطمة وهناك من ينطقها فتومة وفتين .

البير : أخت البيارة وبت عم الحفير وهو هيئة مياه القرى .

رتاين : جمع رتينة وهى اكبر من لمبة الجاز وتعمل بالجاز والكبس معا .

التعليقات
  1. ياسين شمباتى كتب:

    الحبيب التركى..سلامات..

    مفهوم ومضمون الريف والحضر جاء فى القصة وعكس نظرة كانت سائدة فى ذاك الزمن عن حياة المدينة واهلها_بغض النظر عن ماهية الحياة_ وكانوا ينظرون اليهم على انهم مرفهين ويلبسون الافرنجى من الملابس ويستحمون يوميا ويخرجون الى المتنزهات..فكانت النتقال الى العاصمة او المدينة حلم يراود كل فتى,,اما الفتاة فكان آخر شئ تتوقعه,,ففى قصتنا هذه كنت ارجو ان تشير الى فترة الانتقال بصورة تعكس المتغيرات النفسية على الاقل..

    ومن المؤسف ان حياة المدنية اتسمت بالجرائم والعنف..قصة جميلة ومليئة بالكثير لنتبادل الحديث عنه..

  2. التركى كتب:

    د. شمباتى شكرا جزيلا على المرور ولفت النظر الذى جا فى محله … لم اشأ أن أسترسل فى المتغيرات النفسية فقط المحت اليها فى حنينها الى الدعاش وحسن نواياها حتى على المجرمين وكأنك قد قرأت المسودة حيث تطرقت الى التحول الاجتماعى الذى طرأ عليها لكنى سحبته عند النشر …. لك الود يارائع

  3. الزهراء كتب:

    الاخ التركي
    لله درك يا رجل وانت تتجول بنا داخل متغيرات الزمان والمكان في هذه القصه الرائعه
    سبحان الله حتى وهي تحت تهديد السلاح ورغم انها سكتت عن سرقه كل شيء عندها وهي مجبره الا انها ولآخر رمق من حياتها تجاهد مستبسله لتحافظ على ذكرى زوجها (ابو مجاهد)
    وفي النهايه قتلت وهي متمسكه بهذه الهديه القيمه من زوجها وحتى اخر كلماتها كانت شوقا له

    يا حليل امهات زمان

  4. nono كتب:

    التركي للفروشات /

    احيك علي تصوير المشهد !

    بس النهاية حزينة شديد؟؟

    ليه دائما القصص الجملية بتكون نهايتا فلم هندي البطل يموت شنووو مابعرف دااااك؟

    معانى ومعانى :

    ذات التلوين اليدوى : كانت الصور بالابيض والأسود فتلون باليد لتعطى انطباع التصوير الملون.

    فطين : فطومة وهى فاطمة وهناك من ينطقها فتومة وفتين .

    البير : أخت البيارة وبت عم الحفير وهو هيئة مياه القرى .

    رتاين : جمع رتينة وهى اكبر من لمبة الجاز وتعمل بالجاز والكبس معا

    اي معنا من المعاني دة واااضح مااااايعملوووا ليك فيها خرتمين من العااصمة؟؟؟

  5. التركى كتب:

    الزهراء : شكرا على المرور والثناء معا . وحقيقة أم المؤمنين عملة نادرة وكانت حياتها رخيصة جدا مقابل زوجها وابنائها…
    نونو : تسلمى ياغالية … لحقتينى شمباتى خلاص من للمفروشات بقيت للفروشات … شكرا على المرور والوقوف كمان …. النهاية دى حقائق بنقراها كل فترة والتانية فى الجرايد وللآسف البطل بقتلو قبل نهاية الفلم … قلتى لى كلهم بعرفوها الحمد لله أنا كنت هامى انى نسيت أشرح كلمة (سحاسيح) والتى تعادل (حناكيش) بلغة شباب اليوم .. بس تعرفى الواحد لما يكون قروى بعتقد انو التانين كلهم عاصميين عشان كدة العتب على الفكر .. لك الود والتقدير

  6. aflaiga كتب:

    التركى عل بالايمان انت قاص وانا منذ بدات انت تكتب اوصيتك بالا تذهب للبئر وانت ترتدى طرحة التعليقات واوصيتك ان ترتدى توب المواضيع لان اشياء ابداع قلمك قد كبرت ولم تخيب ظنى حين زففنا اول موضوعاتك الى المدونه ويا لاصالة قلمك وانت تصر ان تسمعنا صوت الريف انتظرو يا ناس فطين حاحكى عنكن تانى وتانى ..
    جاييك …

  7. التركى كتب:

    هههههههههههه الحبيب افليقا ياخ دى شهادة كبيرة جدا منك ياقلب بس ماتخلينى اصدق وأقوم أعمل فيها قاص جد جد …. شكرا ليك يارقيق وفى انتظار ابداعاتك التى لاتنقطع ولا تمل …. لك التحايا والتقدير

  8. aflaiga كتب:

    التركى : تسلم يا راقى حقيقى ما تكتبه يجد الاحترام والقبول وهو رائع بكل تاكيد .. تعجبنى قصص القريه التى تنسج خيوطها تحت القمرا القالبه السنسن الحمرا وبخاصة تلك التى تكتب فى رمال كردفان البيضاء او اعشاب باو والنيل الازرق حيث كل شيئ بطبيعته او تلك التى تكتب تحت بابايه او تلك التى يكتبها احدهم وهو يرقب حركة سوق كونجى كونجى وضجة ديسكو جوبا او تلك التى يكتبها الادروباوى المشاغب وهو يرقب انعكاسات الصور البهيه على مياه توتيل – اتمنى ان تتحفنا بالمذيد من مشاهدات القريه .. فقد مللنا من دخان عوادم نفاق المدينه ..

  9. ياسين شمباتى كتب:

    الحبيب التركى..تانى جينا..

    وكمان فى حتة مهمة جدا قلنا نتناولها ولو فى ذهننا بس,,اسه(ام المؤمنين) جات بكل اريحية مع زوجها للعاصمة,ولم تلق اعتراضا من الاب او الام او الاخوات..طيب لو حصل العكس والزوج ارتاى انو يعود لجذورو بعد زواجه ببنت (البندر) والحضارة المزعومة,,ياربى البيحصل شنو.. وماهى التداعيات المحتملة؟؟ورأى اخواتنا الهنا الصريح شنو فى مثل هايتك عودة؟؟

  10. aflaiga كتب:

    شمباتى : كدى خلى من العاصمه للولايات اسى من السعودية للجزيره بخلوك ؟؟ او من الجزيره للسعوديه بخلوك ؟؟؟

  11. ياسين شمباتى كتب:

    افليقا..امممممممممممم..صعبت الموضوع شوية!!!

  12. الزهراء كتب:

    شمباتي: زمان كانت بتحصل عادي واحده من البندر يتزوجها رجل من الريف وتمشي تعيش معاه وحقيقه العيشه في الريف كانت صعبه

    حاليا اظن انها صعبه شويه النقله دي – مع انو الريف تطور وعااادي تمشي الشماليه تلقى الكهرباء والمويه من المواسير والديجيتال مركب في راس البيت والاسواق عامره

    لكن الدور والباقي على تربية البنيه والبيئه العاشت فيها في البندر والمكتسبات الاتلقتا من اسرتها واللمجتمع من حولها

    لكن يا أفليقا الولد شمباتي ده ما تصعبوها معاه للدرجه دي يقوم تاااني يكتب لينا تداعيات الجزء الثاني
    ونحن في انتظارها يا شمباتي

  13. الصادق ود البركة كتب:

    السلام عليكم ورحمة الله أيها السمار
    شكرا لكأيها التركي المبدع القاص و إلي المزيد
    العزيز شمباتي العودة من و إلي الريف كانت ومازالت إن كان في ظل الظروف الحالية الهجرة زادت من الريف للمدينة والدليل كثرة العشوائيات وامتداد أحياء الخرتوم لحد بعيد الثورات أظن وصلت الحارة كذا وتسعين ودمتم

  14. ياسين شمباتى كتب:

    الحبيب الصادق..بركة بالطلة..وما احلى الريف فى ظل توفر معينات الحياة من صحة وتعليم,,اما الغذاء فهو اهون شئ وافضل شئ هناك..والله تتناوشنى الرغبة فى الاستقرار بعيدا عن ضجيج الماكينات وزيف المدينة والمدنية..ويا ليت قومى يعلمون..

  15. التركى كتب:

    أفليقا : ياخ بالغت عديل كدة ماتتصور وأنا بقرأ كلامك دا عشت مع المناطق واللحظات ديك كيف … بالجد ديل كل واحد فيهم موضوع بحاله … أنا كمان أحب القرى وقصصها الرائعة زى طبيعتها …
    شمباتى : فى مجتمع فيه الرجل سيد الموقف لا أعتقد أن هناك مانع فى أن يحدث مارميت اليه .. وقبل اسبوع سافرت بنت أخى مع زوجها الى ضواحى الضعين ولأول مرة تبتعد فيها عن والديها …. أعتقد أن العملية تفاهم بين الطرفين فمامعنى أن تعيش فى العاصمة وانت تعيس بعيد عمن تحب ولديك فرصة العمر مع حبيب العمر فى الريف حيث الطبيعة بودن رياء … لك الاشواق وتحياتى لود حلتى والحاج سلاوى
    ودالبركة : شكرا ليك ياراقى على المرور والوقوف وربنا يقدرنى على كسب رضائكم .

اترك رداً على ياسين شمباتى إلغاء الرد