االزهور الصفراء

Posted: الخميس,8 ماي, 2008 by khalidmadani in ادبية

قبل ايام اغراني الجو البديع والنسيم العليل فدعوت العيال وامهم لرحلة نيلية من ضمن برنامجها زيارة لاحدي الجزر النيلية الصغيرة التي تظهر وتختفي في عرض النيل ، سار البرنامج كما ينبغي ودون أي عقبات تذكر حيث تمتعنا بالخضرة والماء ولم نحرم انفسنا من الوجه الحسن كلما سنحت الفرصة إذ كانت الرحلة جماعية ولم تكن كل المجموعات تعرف بعضها .

وما بين اكل ولعب وموسيقي وغناء يخلب الالباب مر الوقت سريعا حتي وصلنا للجزيرة الصغيرة عند الاصيل ، رمال بيضاء ومياه نقية وخضرة بهيجة .. تفرقنا على الجزيرة وكل يغني على ليلاه … جذبني ابني الصغير ودون كلام فهمت ان نداء الطبيعة قد فرض نفسه عليه فسحبته لمنطقة كثيفة الحشائش ذات زهور صغيرة صفراء تسر الناظرين ويفصلها عن جسم الجزيرة مجري صغير ضحل ، وبعد بيان بالعمل عدنا لبقيتنا واكملنا البرنامج حتي النهاية وكان يوم من الايام في حياة عصام .

في صباح اليوم التالي جاءني ابني الصغير ودون مقدمات قال : يا ابوي انا داير اقول ليك حاجة بس ما تزعل .. اندهشت للمقدمة الغريبة وقلت ليهو قول العندك وما بزعل منك .. قال : انا بحبك يا ابوي لكن بحب امي اكتر منك … قلت ليهو ما مشكلة انا ذاتي بحب امك لكن بحب واحدة تانية اكتر من امك . هز الولد راسه علامة الفهم والتفهم بينما عقدت الدهشة لساني ولم اعرف ماذا حدث لي وجعلني اقول ذلك الكلام للولد .. وقبل ان اجد الاجابة وجدت ام العيال امامي تحمل في يدها مبلغ ما هين من المال : هاك يا راجل القروش امشي ادفع قسط العربية العليك … ومرة اخري وجدت نفسي اقول : اقساط العربية خلصت قبل كم شهر لكن انا كنت بدقسك عشان ما تقولي لي جيب وجيب … لكن انتي القروش دي جبتيها من وين ؟ ثارت ام العيال علي ثورة عارمة ورفضت ان تشرح لي مصدر القروش ودخلت غرفة اخرى واغلقت عليها الباب .

ولعت حجر الشيشة وجلست في ظل الصالون وانا افكر في سر هذه الصراحة التي هبطت علي فجأة ولم تكن من صفاتي التي اعرفها جيدا … خرجت ام العيال من الغرفة وهي تحمل شنطة ملابس ومرت علي قائلة : انا ماشية ناس امي ممكن توصلنا ؟ اردفت ذلك بوضع يديها علي خصرها دلالة على قمة الغضب .. سمعت نفسي اقول : اخدو ليكم تكسي انا مشوار ناس امك ده ذاتو بجيب لي العصبي .. اكتفت بنظرة غاضبة ولكن غضبها تفجر علي الولد وهو يقول : انا ذاتي ما داير امشى معاكي ممكن اقعد مع ابوي ؟ كان ردها ان دفعته بقوة للشارع وهي تغلق الباب بعنف .

بعد تفكير طويل وجدت ان موجة الصراحة هذه غمرتني انا وولدي فقط دون بقية خلق الله ولكن ماهو السبب في ذلك ؟ ومن ذلك اليوم وانا كل يوم في رحلة نيلية بحثا عن تلك الجزيرة وحشائشها الكثيفة ذات الزهور الصفراء بينما تجنبني الجميع .

وجدت هذه القصة في مفكرة جاري العزيز بكري والذي ربما رايتموه ذات يوم في احدي الصواني وهو يجري خلف السيارات الفارهة وهو يقول : كان لقيتا بعرفك جبتها من وين … وبعرف البترول ده مشي وين والكهربا حتتصلح متين وانتو ذاتكم جيتو من وين .

التعليقات
  1. aflaiga كتب:

    ابو الخلد : والله لو خلينا الكلام للعقل الباطن حينتهى الزواج بانتهاء مراسم العرس !! تعرف لو ما ربنا منظم قصة التعبير الظاهرى والباطنى دى كان حصلت حوادث مرور فى المشاعر واتقطعت كميه من الايصالات للمخالفات يعنى لو ناديت المرا باسم واحده تانيه ولو كانت امك تقطع ايصال – لو قلت ليها الله يدينا خيرك بتقطع ايصال وهكذا .. لكن قلت لى دى مفكرة منو ؟ تعرف الشفع دوما لايجب ان تدور اى احداث مؤثره امامهم لا بالليل لا بالنهار !!! انت ما سمعت الشافع الاقل لى ابوههو : لا لا ده صغير !!!

  2. mustafazo كتب:

    العزيز خالد
    أولاً كل الأسف عن تأخري على المرور على موضوعك والحقيقه كما ذكرت إنت في البيت الكبير الزول زي مصاب بشد عضلي والأمور خلال الأيام الماضيه زي كانت جايطه شويه لكن الآن أحسن شويه .. المهم قريب من هذا الكلام قدم الكوميدي جمال حسن سعيد تمثيليه عن مخترع إخترع شراب لقول الصدق والحقيقه وفي نهايه القصه يتم القبض على المخترع من جماعه مصالحها تضررت من هذا الإختراع … إتخيل منو المصالحه ممكن تتضرر من قول الحقيقه في البلد ؟؟؟؟

  3. نيام نيام كتب:

    تعرف يا خالد لحظات التجلي خطيرة جدا .. و غالبا ما تكون مدفوعة القيمة الباهظة..ودائما الوهدبة بتجي من اطفالنا لانهم هم الذين يصنعون الشفافية ثم يتركون الريموت علي الطاولة المجاورة ليركضو عنك ..فاذا بالريموت في ايدي التحري و قوات الاستنطاق فينقلب السحر علي الساحر..وتصبح الورود الصفراء فاقع لونها و يتشابه عليك البقر..

  4. مُخير كتب:

    العزيز أبو الخلد
    سلام
    تعرف من روائع البيت الصغير ده إنو كل مرة تكتشف حاجة فايتة عليك، وفي لحظة صفاء فوجئت بمقالك الرائع الذي لم يسبق لي الإطلاع عليه، بالرغم من أنه كتب أيام الغربة وسقطها، وذكرني مضمونه بقصة قصيرة للأديب الراحل يوسف السباعي لا أذكر عنوانها ولكن مضمونها هو عقار أو مشروب يفرض الصدق والصراحة ويستعرض المفارقات التي تحدث لم تنتابهم نوبة الصراحة، وكذلك فلم “كاذب كاذب” للكوميدي الأمريكي الممسوخ جيم كيري والذي يعمل محامي ويحترف التدليس والكذب، فإذ بأبنه في يوم ميلاده يدعو الله أن لا يكذب والده أبذاً فتجرى الأحداث حول نوبة الصدق وما تجره من متاعب لبطل الفلم، وأطرفها في قاعة المحكمة، عموماً الكذب مقيت وأشد حرمة من الزنا والسرقة، لكن الصراحة الفجة أحياناً تكون جارحة لمشاعر الآخرين وتأتي بنتائج عكسية فالحكمة مطلوبة في كل الأحوال. والشكر لك على ما خطه يراعك، لكن دي “بيضة الديك” ولا شنو ؟؟ زيدنا ولا تحرمنا من إبداعك وفي إنتظار الجديد، لا سيما وأنت لسة جديد في البلد والجديد شديد. مع خالص ودي

  5. سهيل كتب:

    حزنت حزنآ شديد لمروري المتأخر عليك و على البوست الرائع.. تصدق فقط اليوم وجدت الوقت الكافي لقراءة موضوع الزهور الصفراء و كنت كلما وجدت المدونه امامي اتصفحها و اقول في نفسي لابد من قراءة هذا الموضوع في جو هاديء.. حقآ موضوع مثير و ملكات رجل متمكن فلا تحرمنا روائعك يا خالد..

    بس ما قلتا لي .. هي منو ؟

أضف تعليق