أبتاهُ أما طالَ الفِراق؟؟

Posted: الثلاثاء,10 جانفي, 2012 by sobajo in اخرى

أبتاه …
ها أنت قد انتقلت الى مثواك الأخير هناك في في دار الخلود, وأنا بعيد في ديار الغربة التي لا تعرف قواميسها سوى المعاناة وامتطاء المجهول. فواأسفاه أنا الذي لم احظ برؤية وجهك الطاهر الحنون قبل أن ينسدل الستار الأخير من حياتك العامرة. أما الآن فقد فهمت واستوعبت تماما ما قلته لي منذ سنين خلت, بأن حياتنا هذي ما هي الا مسرح واسع الفناء يؤدي كل واحد منا دوره على طريقته, ثم يمضي الى حيث لابد له أن يمضي, مخلفا من ورائه ذكرى تعشش في في ذاكرة  التاريخ ومخيلته. فكلما ادى دوره بتفانٍ واخلاص, كلما ظلت ذكراه علماً خفاقا يرفرف على مر الدهور والأجيال, ينظر الناس اليه نظرة اجلال واعزاز.
أبتاه…
لقد ادركتُ تماما, بأنك قد تنبأت بأنّا سوف لن نلتقي ثانية. نعم, فقد قرأت ذلك في عينيك, وازداد يقيني واحساسي عندما ذرفت تلك الأدمع الغزار, التي ما رأيت مثيلا لها في مقلتيك من قبل!
فقد عهدتك تبكي في مرات عديدة, الا أن بكاءك في تلك اللحظة كان من نوع آخر. أما تلك العبرة التي كانت تحول دون أن تُملي علي وصاياك العظيمة, فقد كانت ذات طابع آخر, وكذا تتابع   دقات قلبك المذهلة, في تلك اللحظات العصيبة, أكدت لي وبما لا يدع مجالا للشك بأن ذلك ما كان الا اللقاء الأخير الذي ما بعده لقاء !!!
أبتاه
لقد تأكد لي هذا الاحساس المرير وانجلى واضحا في ارتعاشة كفيك, وأنت تصافحني وقتئذ, واذكر أن قِواك قد خانتك يا أبي, وافقدتك لوعة الحزن وصدمة الفراق القدرة,فلم تنهض من فراشك لتشيعني مع المشيعين. فقد كنت المحك بألم مُِمض وأنت تحاول محاولاتك اليائسة تلك في  اخفاء دموعك المنهمرة وكفكفتها, الا أنك لم تستطع الى ذلك سبيلا, لأن رهافة احساسك ورقة شعورك قد تغلبا على صمودك وثباتك, فلك العذر.
لقد اُعلمت من بعد يا أبي بأنك كنت لا تتمالك نفسك من البكاء عندما يزور اندادي واصدقائي الدار في غيابي, لأنهم كانوا يؤججون في دواخلك نيران ذكراي التي قيل أنك طالما كنت تتوسدها وتنام وتصحو عليها في أيامك الأخيرة !!
عفوا ابتاه, اذ لم اكن من ضمن اخوتي عندما كنت تصارع الموت وسكراته.
عفوا ابتاه, اذ لم اسدل عينيك بعد طويك لآخر صفحة من صفحات حياتك الزاخرة.
عفوا ابتاه, اذ لم اتمرغ في احضانك, واشبع نفسي منك تقبيلا وعناقا.
عفوا ابتاه اذ لم ارو صدرك الواسع بدموعي التي سكبتها هنا في بلاد الغربة, حيث الوحشة والوحدة والألم!!
عفوًا أبتاه, اذ لم احقق لك اغلى امنية كنت تعيش على شعاعها, وهي أن تراني رجلا ناجحا اعتلي اعلى المراتب وارمقها!! فوأسفاه انا الذي لم تسعفني الظروف والأحوال لتحقيق اماني وطموحاتي في حياتك.واحسرتاه أنا الذي اصبحت كالمنبت, لاعلما نلتُ ولا جاها حزت.
أبتاه…
عندما استرجع شريط ذكراي معك, فإن كل وتر في مخيلتي سرعان ما يثير في نفسي لواعج الحزن والأسى لفراقك وفقدك الجلل, ذكراي معك عندما كنتُ طفلا يافعا, اتبعك في ترحالك الذي ما كان لينتهي. ذكرى مواقفي الطفولية البريئة وتصرفاتي الساذجة التي كانت تثير فيك الضحك حتى تبين نواجذك, وتهتز لها فرحاً كل جارحة من جوارحك الكريمة.
وأذكر يا ابتاه انك كنت تستمرئ تصرفاتي الصبيانية تلك, لأنها كانت تخفف عن كاهلك ثقل الحياة, وتزيل عنك هموم الحياة ووعثاء السفر. ولكم كنتُ شقيا يا أبي. فهل يا ترى غفرت لي تلك الهفوات أم دفنتها في دواخلك وحملتها معك الى قبرك الطاهر؟؟؟
لقد كنت رفيقك في حلك وترحالك, وهاأنذا اليوم صريع الوحدة والألم, امضغ حسرتي واتجرع كؤوس حرماني ومأساتي, واتوسد اخفاقي وفشلي, بل اغرق في مستنقع الضياع وامد يدي مستنجداً ومستغيثا, فلا تقبض يداي الا السراب والعدم!!!
برحيلك يا أبي لم تتوقف عجلة الحياة عن المسير, نعم, فالشمس ما زالت تشرق كل صباح, وما زال القمر يزين كبد السماء, ويرسل ضوءه ليحيي به قلوب العاشقين, وكذا الورود والأزهار  ما انفكت تنفح وتعبق فُلاً وياسمينا,صباح مساء, وما زالت العصافير تغرد على افنانها وتملك الجو علينا بحركتها ونشاطها الدؤوبين.
عجلة الحياة ما زالت تمضي قُُدُماً يا أبي. الا أن ذلك كله يحدث في غيابك ايها الوالد العزيز.
فما أمر حياتي اذاً وما اقساها واظلمها؟؟ لأنك أنت الذي علمتني أن استمد من شروق الشمس تفاؤلي بالحياة, وتشبثي بحبال الأمل والرجاء. ولأنك عودتني يا أبي أن انسج من خيوط ضوء القمر معطف الحب وثوب الحنان, ولأنك أنت الذي علمتني أن استمد من الورود والزهور  حب الجمال والابتسام, ومن عطرها الرقة ورهافة الحس, ومن تغاريد الطيور علمتني ابتاه أن اكون اغنية من اجل الغلابة والبائسين. علمتني ابتاه أن اكون شمعة تذوب, وعصفورا يشدو, وقمرا يشيع الضوء في دروب التائهين. علمتني ايها الانسان أن اكون انسانا في زمن غابت فيه الانسانية وانزوت فيه المروءة في ركن قصي, وانتحرت فيه القيم والاخلاق السامية.
ابتاه…
دعني ابكيك بقلمي بعدما نفدت ادمعي, فان نفدت كلماتي فسأظل اجتر شريط ذكرياتك الذي لا ينقطع, لأنه سلواي وخليلي وانيسي. فالى جنات الخلد ايها الراحل المقيم.

إبنك/ مالك معاذ سليمان
Sobajo

التعليقات
  1. ياسين شمباتى كتب:

    الحبيب مالك…
    احسن الله عزاءك فى الوالد والزمك الصبر وحسن التعزية والتسلية,,والغربة احدى مساوئها هذى,,فبالامس رحلت شقيقاى وخلفت جرحا ولن يندمل ابدا وانا ابحث عن لقمة العيش..
    لكن يبقى الصبر خير معين والدعاء خير خلف..
    حبى وودى..

  2. sobajo كتب:

    شكرا اخي شمباتي
    فقد توفي الوالد منذ التسعينات وهذه الخاطرة بمثابة ذكرى ووفاء له.
    اللهم ارحم شقيقتيك وانزل عليهما شآبيب الرحمة والغفران.
    آمين

  3. عزت كتب:

    مالك سلام

    وأنا من أمبارح أول ما شفت المقالة قلت يا أخوانا نحنا الظاهر اتلومنا وما مشينا عزينا سوباجو…. أتاريها خاطرة كويس انو ما مشيت في اتراح وعملت announcement
    رحم الله والدينا فالرحمة تجوز للحي والميت
    ورحم الله الموتى وموتي المسلمين جميعا بقدر رحمته التي وسعت كل شئ….

  4. عزت كتب:

    عارف يا سوباجو عشان الموضوع يكون له تمامة في (لقراءة المزيد) تمشي في تحرير الموضوع بتلقى في شريط الأدوات مستطيلين فوق بعض واحد صغير فوق والآخر أكبر شوية تقوم تخت الكيرسر في المحلة الانت عاوز السطور الأولى من المقالة تظهر في الصفحة الرئيسية ثم تعمل (كليك) على المستطيلين فبيقوم بيقطع ليك الموضوع فستظهر تلك السطور التي اخترتها في الصفحة الرئيسية وبقية الموضوع في (لمزيد من القراءة)….
    وتكون عملت تشويق للقراء يا ربي بي هناك في شنو..

    تحياتي…..
    شنو مافي زيارة للخرطوم والا شوفة كدا..!!

  5. سهيل كتب:

    ألا رحم الله موتانا و موتى المسلمين اجمعين

    سوباجو : والله بشتنتي بالحيل و بقيت زي عزت كايس الفراش بي وين .. اللهم ارحم الوالد و اسكنه فسيح جناتك ..

    تعرفو يا جماعه .. الوالدين ديل هم اغلى مانملك و هم دايمآ في حاله دعاء لينا و عندما يتوفاهما الله ينقطع حبل الدعاء و و نعيش نحن باقي ايامنا في كبد و ضيق .

    اللهم خفف علينا الحمل و وسع عليهم قبورهم

  6. sobajo كتب:

    شنو مافي زيارة للخرطوم والا شوفة كدا..!!

    شكرا يا د.عزت على المرور والتوجيه الفني والرحمة والمغفرة لجميع اموات المسلمين.
    وفيما يتعلق بالخرطوم فقد زرت السودان بعد غيبة طويييلة وقضيت بها ثلاثة اشهر كانت في غاية المتعة مضت وكأنها ثلاثة ايام فقط.

  7. sobajo كتب:

    والله بشتنتي بالحيل و بقيت زي عزت كايس الفراش بي وين .. اللهم ارحم الوالد و اسكنه فسيح جناتك .
    ***** ******
    عزيزي سهيل
    آسف جدا للبشتنة والسبب اني طولت شديد من المساهمة في الموقع ويبدو انني نسيت ان انوه في ذيل الخاطرة بأن الوالد متوفي منذ سنين واشكرك على المرور والمواساة.

  8. عزت كتب:

    العزيز سوباجو
    سلام
    بالله جيت الخرطوم…. ياخ ما كان تقول أكان جيناك وزورناك شيخ المدونة (جبرا) وكان برمجنا بيك أصلو انحنا كايسين جنس الفرص دي التدينا (بيرميشن) من الحكومة الداخلية…
    خليك قريب ويا ريت تكتب لينا عن خواطرك في الثلاث شهور دي…
    تحياتي

  9. محمد مصطفى كتب:

    إن لله وإنا إليه راجعون
    اللهم أرحمه وأجل الجنة مثواه وأرحم والدينا ووالد والدينا وجميع المسلمين تغمدهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
    يا أخي والله كأنك تحكي بلسناني وتخيلت أناالذي أكتب هذا الموضوع فأنا أقرأ ودموعي تذرف فلقد تذكرت والدي ولدي مثل ما لديك من ذكريات .
    اللهم أرحمهم وأغفر لهم . آمين

  10. sobajo كتب:

    اخي عزت يا ريت لو قابلتكم ياخ لكن الجايات اكثر من الرايحات
    وسوف تجمعنا اقدارنا ذات يوم بعدما عزّ اللقاء.

    *****/////*******///////*****
    اخي الكريم مصطفى
    عندما تكون العلاقة بينك وبين والدك هي علاق صداقة او (فِرَد)
    كما يقولون فإن الفراق سوف يكون في غاية الصعوبة. اللهم ارحم
    موتانا واحسن اليهم. آمين

أضف تعليق