حاجّة النخيل…صداقات بلا حدود‏

Posted: الثلاثاء,29 جوان, 2010 by sobajo in اخرى

للصداقة قصص وحكاوى لعل من اشهرها و اجملها على الاطلاق تلك الصداقة الحميمة التي نشأت بين شاعرين من عمالقة القرن الثامن عشر هما الشاعر المرهف ” شيللر” والفيلسوف والشاعر الكبير “جوته” . فعندما تعارفا كان “شيللر” في الخامسة والثلاثين و”جوتة” في الخامسة والاربعين وقد صارت صداقتهما عبارة عن قصيدة رائعة كانت اجمل مما كتباه من شعر معاً . فقد كانت صداقة بين رجل عملاق طبقت شهرته العالمين ورجل مريض متهالك اذ كان “شيللر” وقتها قد فقد احدى رئتيه وكان قاب قوسين او ادنى من الموت غير ان هذه الصداقة انقذته فاستطاع ان يعيش احد عشر عاماً اخرى .

كان “شيللر” يحب العدل وكان “جوتة” يعشق الجمال . كان “جوتة” غنياً مترفاً وكان “شيللر” فقيراً معدماً . بيد انهما كانا يشتركان في عشق الشعر الذي يريان فيه الوسيلة المثلى لتحويل الانسان العادي الى كائن اسمى واعلى . وهكذا تكاتف الشاعران في العمل وكل منهما يشجع الآخر ويستحث عبقريته . فيقرآن معاً ويعرض كل منهما انتاجه على الآخر ويتبادلان النقد الهادف والرأي الصواب فيما يكتبان من اجل الاحسن والاجمل
ويموت “شيللر” فيختفي “جوته” عن الانظار ويغلق باب غرفته على نفسه ويبكي كما الطفل ويكتب : لقد فقدت نصف مقدرتي على الكتابة ، ان اوراقي كلها بيضاء فارغة كفراغ حياتي . الا انه يفيق من هول الصدمة وشدة الحزن فيترجم ذكريات صديقه الرائعة الى دوحة شعرية غناء .

اما اروع صداقة شهدتها بأم عيني فتلك التي نشأت بين حاجة النخيل السودانية وحاجة عائشة الافغانية حيث كان عامل السن هو القاسم المشترك الوحيد بينهما اما اللغة والعادات والانتماء فلم تكن حجر عثرة امامهما . فحاجة النخيل كانت تتمتع بذكاء اجتماعي حاد مكنها من كسب قلوب عدد هائل من الناس في اقل من شهر رغم عدم المامها باللغة الانجليزية . فكانت تخاطب صديقتها باللغة العربية وبلكنةٍ شايقية فترد عليها الاخرىبلغة الاوردو فتفهمان بعضا بدون عناء كأنما تتحدثان بلغة واحدة .

 كان نشاطهما اليومي يبدأ عادة بعد العاشرة صباحاً الى ما بعد الظهيرة حيث تتبادلان الزيارة . اما فترة العصر فتقضيانها في الحديقة العامة حيث تمارسان رياضة المشي الى قُريب المغرب ثم تفترقان على مضض على امل ان تلتقيا في صبيحة اليوم التالي .

 كانت صداقتهما ظاهرة انسانية خالصة ترجمانها الحب النقي الخالي من اية مصلحة ذاتية ومبعثاً للاعجاب والتعجب لكل من شهدهما تتآنسان وتضحكان بسعادة ما بعدها سعادة واخلاص لا مثيل له . فكانتا موضوعاً للنقاش والفضول لدى الصغار والكبار في تلك الحارة الامريكية . وعندما حان موعد سفر النخيل الى السودان تأثر كل من شهد احداث تلك الصداقة الجميلة .

 فكان مشهد يوم الفراق شديداً وقاسياً على الجميع خاصة في اللحظة التي كانت فيها الصديقتان تتعانقان وتنتحبان وتبكيان بكاءاً حاراً يقطع نياط القلب .

ومنذ ذلك الفراق الحزين عم السكون ارجاء الحارة بعد ان تركت حاجة النخيل فراغاً عريضاً في نفوس محبيها وفقدت الحديقة العامة نشاطها وبريقها واصبحت الحاجة عائشة لا تُرى الا لماماً ولم ينقطع لسانها عن اجترار ذكرياتها الجميلة مع صديقة عمرها النخيل ولا تكاد تخفي حزنها وحظها العاثر على هذه السعادة التي لم يكتب لها ان تستمر طويلاً . وصدق الحكماء عندما قالوا : الصداقة اهم من الحب فالصداقة ثابتة ولكن الحب متحول ومتقلب .

 والصداقة اغلى من المال فالمال يذهب ويجيئ والصداقة تبقى .
فالصداقة اذن نعمة عظيمة فلنحافظ عليها اذا كان بأيدينا شيئا منها خاصة في هذه الايام التي قل فيها الصدق فقل الصديق الذي اصبح اندر من الهلال في كبد السماء .

 

التعليقات
  1. نجوي كتب:

    والاصدقاء اوطان صغيرة …. وحقا” صدق الحكماء عندما قالوا : الصداقة اهم من الحب فالصداقة ثابتة ولكن الحب متحول ومتقلب .

  2. طارق أب أحمد كتب:

    سوباجو
    أحيييك على الكلام الرائع دا

    حاجه النخيل السودانيه و عائشه الأقغانيه يربط بينهما غير السن عشرات الأشياء المشتركه أما ما لا يربط بينهما فقط هذه اللغه التى يربط بينهما الحرف العربى

    أما ما يربط بينهما فهو أن أوطانهم ضاقت بهم ورغم أنهم من نفس الدين ألا أن من امتطوا صهوة الحكم ثرو هذا الدين ارغموهم على الهجره بل و العيش بأمان فى بلاد قد ينفر أهلوها من نفس هذا الدين

    أتسائل لو كانت النخيل تعيش الأن فى تنقاسى أو الزوومه ما الذى كانت ستقعله من الصبحيه حتى ساعة العصريه

  3. حاج أحمد السلاوى كتب:

    أخونا وولدنا سوباجو ..
    الصداقة شىء عظيم جداً وفى ناس تدخل القلوب وتانس ليها من أول مقابلة وكأنك تعرفها منذ عشرات السنين ..ومثال ذلك كل احبابنا فى ساخر سبيل ومنتدى سوداننا فمنهم من لم نحظ بشرف لقائه حتى الآن إلا عبر الحروف وسماع اصواتهم عبر الهاتف فقط ..
    بس الشى الما قدرت أفهمه هو إنو حاجة النخيل لم تكن تتحدث الإنجليزية وحاجة عائشة لم تكن تتحدث العربية فكيف كان يتم التفاهم بينهما ..عربى جوبا ؟؟.

  4. سوباجو كتب:

    نجوي
    والاصدقاء اوطان صغيرة …. وحقا” صدق الحكماء عندما قالوا : الصداقة اهم من الحب فالصداقة ثابتة ولكن الحب متحول ومتقلب .
    ///////////////////////////////////////
    شكرا لك اختي نجوى
    نعم والصديق المخلص هو خير معين لنا وقت الشدائد والمحن .
    فعندما ينفض من حولك قرناء المصلحة والزيف لن تظفر يداك
    بغير ذلك الصديق الصافي كالذهب لا يتحول ولا يتبدل .

  5. سوباجو كتب:

    طارق أب أحمد
    سوباجو
    أحيييك على الكلام الرائع دا

    حاجه النخيل السودانيه و عائشه الأقغانيه يربط بينهما غير السن عشرات الأشياء المشتركه أما ما لا يربط بينهما فقط هذه اللغه التى يربط بينهما الحرف العربى

    أما ما يربط بينهما فهو أن أوطانهم ضاقت بهم ورغم أنهم من نفس الدين ألا أن من امتطوا صهوة الحكم ثرو هذا الدين ارغموهم على الهجره بل و العيش بأمان فى بلاد قد ينفر أهلوها من نفس هذا الدين

    أتسائل لو كانت النخيل تعيش الأن فى تنقاسى أو الزوومه ما الذى كانت ستقعله من الصبحيه حتى ساعة العصريه
    ///////////////////////////
    حيّاك الله يا طارق
    لو كانت حاجة النخيل في تنقاسي او الزوومة لملأت فراغها وعاشت لحظتها كأجمل ما يكون . فهذا الصنف من البشر يعيش بالحب وعلى الحب في اي مكانٍ وزمان لا يعبس ولا يتذمر ولا يبحر بمراكبه في بحار الاحزان بل يعيش حياته ويفارقها وبين شفتيه ابتسامة .

  6. سوباجو كتب:

    حاج أحمد السلاوى
    أخونا وولدنا سوباجو ..
    الصداقة شىء عظيم جداً وفى ناس تدخل القلوب وتانس ليها من أول مقابلة وكأنك تعرفها منذ عشرات السنين ..ومثال ذلك كل احبابنا فى ساخر سبيل ومنتدى سوداننا فمنهم من لم نحظ بشرف لقائه حتى الآن إلا عبر الحروف وسماع اصواتهم عبر الهاتف فقط ..
    بس الشى الما قدرت أفهمه هو إنو حاجة النخيل لم تكن تتحدث الإنجليزية وحاجة عائشة لم تكن تتحدث العربية فكيف كان يتم التفاهم بينهما ..عربى جوبا ؟؟.
    ///////////////////////////
    سلام يا سلاوي يا ظريف
    كانت حاجة النخيل وحاجة عائشة تتفاهمان بعربي تورا بورا .
    ( وجه ميت من الضحك )

  7. ياسين شمباتى كتب:

    سوباجو.سلام..
    الصداقة..اغلى واثمن كنز فى الوجود,,وقديما عدت العرب (الخل الوفى) من المعجزات الثلاثة,واراه معجزة لوحده فى عصرنا الحالى…
    واناشد معك ان فليعمل كل منكم جاهدا عىل الاحتفاظ بالاوفياء من الاصدقاء ما دام النفس جائل فى النفس..والصداقة لا تعرف لغة او حدودا او عمرا او مهنة او اى من المتعلقات او المنتميات المادية,,انها انجذاب لا ارادى لشخص غير عادى..ودمت صديقى..

  8. DAKEEN كتب:

    سلام لكل الاصدقاء .
    حلاوة الصداقة ان تكون بالمعني الحقيقي في تحقيق الهدف ، ووهو الصدق في المشاعر والاحاسيس نحو الاخر ، لكي تمتد تلك العلاقة الى افاق ارحب فان حاجة النخيل وعائشة مثال لا يغيب عن عاقل فان انتفت المصلحة في العلاقة دام الود .
    المؤثر في امر الاثنتين هو انهن من فئة عمرية انتفت علاقتها من المصلحة الدنيوية وانشغلتا بمؤانسة بعضهما ، فلا هذي ترجو ثوابا لما فعلت ولا تيك تنتظر مكرمة .
    ويتغير مفهوم الصداقة بحسب ميول الشخص ، فقد تكون صداقة عابرة ،، وهذه قد يربطها الوجود الزماني والمكاني وتنهي بانتهاءه وينسيا بعضهما البعض ،،،
    وهناك مقولة (صحبة الكاب حدها الباب) وهي تقال لافراد القوات النظامية لارتباطهم فقط بالميري فمجرد ان يخلع احد منهم هذا الزي يكون خارج الخارطة وعليه البحث عن اصدقاء جدد الا من رحم ربي.
    في رحلة الدراسة يكون معك ما يقارب الاربعين زميلا في الفصل يزيدون او ينقصون في كل صف من الاول الابتدائي وحتى الثالث الثانوي ، وقد تستمر منهم زمرة تلازمك طيلة هذه الرحلة ،، ولكن قد يكون او لا يكون منهم صديقك ،،،
    ولكنك تكتسب الصداقات الحقيقة بعد دخولك المرحلة التالية وتكون شخصيتك قد تشكلت تماما.

  9. aflaiga كتب:

    سوباجو السودانيون مشهورون بسرعة التاثير فى الخار وسرعة التاثر فى الداخل !
    شفت زى الحجه دى لو خليتا تانى شويه هناك حتلقى كونداليزا رايس خاشه صندوق مع هيلارى كلنتون والصرفه الاولى لى سوزان رايس !!
    ولا حتلقى هيلارى فى شارع ابروف بتاع امريكا بتشترى فى الطلح عشان تنستر مع كلنتوت . ولا حتلقى اوباما كل جمعه بيضرب الملوحه بالقراصه فى بيت ناس الحجه الكبيره ..
    انها تملك كل مقومات الانسياب الطبيعى لقلوب الناس فهى شفافه عفيفه صادقه .
    سوباجو هوى نحن شعي مخلص فى كل شيئ حتى الحرام بنعملو بمزاج واخلاص غريب ..
    تحياتى

أضف تعليق