الدور الوطني لفن الغناء والموسيقي 1

Posted: السبت,18 ماي, 2013 by neiam in ادبية

كانت الصباحات مشرقة و الناس لطفاء و الحياة ممتلئة صحة و عافية ، لم يكن المشوار الطويل من و الي تلك المدرسة البعيدة يؤثر فينا أو قل لم نكن أصلا نفكر بأنه مشوار ففي ذلك الزمان كانت المسافات تقاس بغير مقاييس هذا الزمان ، كانت تقاس بأريحية فضفاضة.

كنا نقطع المسافة بين المدرسة و البيت في انس ليس له بداية أو نهاية لأنه يبدأ دائما من حيث نشتهي و لا ننتهي منه عمدا.

كان صبيا هادئ الملامح قليل الكلام كثير التفكير قليل الغضب أو قل انه كان اكبر من سنه .

ثم مرت سنون عديدة حيث افترقنا بعد تلك المرحلة كل لشأنه..

اهتم فيما بعد بالموسيقي و برع فيها حتي اصبح من القلائل الذين اذا تطرقت للموسيقي الا و ذكرته شئت ام ابيت..اصبح رقما لا يمكن تجاوزه.

ولست ادري ان كان من روائع الصدف التي يجود بها الزمان احيانا علي حين غفلة او لعله كان توارد للخواطر فاحيانا تفكر في الشئ و يفكر غيرك فيه .

فاول مقال كتبته بهذه المجلة عند نشأتها كان بعنوان النجركان ايام زمان ، ولم اكن اعلم انه مهتم بهذا النوع من الكتابة حتي وجدت سفرا كبيرا بين يدي هو عبارة عن رسالته للدكتوراة التي نالها الان و هو يحوله الي كتاب بين يدي…

استأذنت منه ان اقدم منه بين يدي اخوتي في هذه المدونة علهم يستمتعون به كما استمتعت به وهو يؤرخ للغناء الوطني منذ امد بعيد..

وقد اسماه

 الدور الوطني لفن الغناء والموسيقي

وأثرهما السياسي والإجتماعي

فى الفترة من

1235ه / 1389ه- 1820م / 1969م

للدكتور الفاضل احمد السنوسي

والان هيا الي ذلك الكنز العجيب

    هناك مؤثرات وروافد ثقافية وضعت بصماتها واضحة على الغناء في السودان وحدّدت مساره وسماته بالصورة الماثلة اليوم . وهي من منظور آخر تبين مدى التواصل الزماني والثقافي الناتج . كما أن المتأمل للقصائد التي كتبها شعراؤنا الغنائيون – طارفاً عن تالد – لا بد أن نتساءل : أي طراز من الثقافة كان رصيد هؤلاء الشعراء ، وكان منطلقهم نحو تأليف قصيدة الغناء ، مثلما كان منطلقهم لاكتساب تلك الجدّية المقدّرة والمتمثلة في العناية المفرطة بالناحتين الشكلية والمعنوية لتلك القصائد التي صاغوها ولكن لا يلبث أن تتبين الإجابة واضحة ، علماً بأن مراحل التأريخ السوداني عموماً يمكن تقسيمها إلى حقبتين رئيستين : جاهلية ، وإسلامية – وكل منهما تحوي خمس مراحل مختلفة . أما فيما يختص بالحقبة الإسلامية فتبدأ أولى مراحلها الخمس بعهد دولة الفونج(*) _ أولى الدول الإسلامية في السودان . فقد جاء الإسلام إلى البلاد علي أيدي المهاجرين العرب والذي كان لتوافدهم علي البلاد أثره الواضح في زرع البذور الأولى للحركة الموسيقية العربية في السودان . فقد حمل هؤلاء المهاجرون – فيما حملوا في العهد الأول لدخولهم :

ترتيل القرآن الكريم .

الأذان .

الحداء ،

أي ما يعرف بالدوبيت والذي عرفته البلاد عبرهم بتأثير من بلاد فارس منذ القرن السابع عشر الميلادي . وهذا علاوة على ما حملوه من الآلات الموسيقية.

وقد استقرت بعض القبائل العربية في السودان واستقرّت معها إبداعاتها . ثم شيئاً فشيئاً بدأت الموسيقى العربية تفرض نفسها على البلاد من نطاق محدود إلى فن شامل وثيق الصلة بالحياة والمجتمع السوداني ، وذلك عبر الآتي : أولاً : حلقات الإنشاد الديني والتي كانت تضم بشكل أساسي السكان الزراعيين. ثانياً : حركة البدو الرحّل ومجتمعاتهم الرعوية .  ثالثاً : نشاط العرب التجاري والحرفي والإداري في المدن(2)

وهكذا بدأت الموسيقى السودانية تبعاً تأخذ طابعها المستعرب بالتدريج فتنامت في ثلاثة أشكال:

أولاً / موسيقى عربية في غرب البلاد .

ثانياً / موسيقى أفريقية صرفة في جنوب البلاد .

ثالثاً / موسيقى مزيج بين العربية و الأفريقية في أواسط البلاد وشمالها وشرقها(3) .

وهكذا حتى إذا ما حلّ عهد السيادة التركية في السودان أخذت التقاليد الموسيقية في طريق تطويرها بامتزاج اللهجات المحلية مع اللغة العربية في قالب النغم الخماسي. (*)(4)

أما في عهد الدولة المهدية 1(*) فقد نشر الاغتراب الثقافي الموسيقى مظلته على البلاد ، وذلك بما قامت به تلك الدولة من حظر إبداعات الشعب من غناء ورقص ، إلى جانب نشاطات الطرق الصوفية .وذلك بالطبع في ظل أيدلوجية وفكر الحركة المهدية المعلوم.(5) ثم ، وامتداداً لما شرع فيه من حديث عن الروافد والمؤثرات الثقافية ، فهذه هي محصّلة تلك الروافد مصنّفة في الآتي :

1/ ثقافة شعرية قديمة تكشف عن إلمام شعراء الغناء السودانيين بأطراف الشعر العربي القديم وبأخبار شعرائه وبخاصة من كانت لهم منهم في حياتهم قصص طريفة وموحية2(*).

وفيما يلي بعض النماذج في هذا الخصوص : يقول أحد الشعراء المحدثين 3(*) داويني يا طيف بالّتي           كانت سبب في علّتيفلا يخفي هنا أن هذا الشاعر كان على دراية بقول الشاعر العربي القديم : دع عنك لومي فإن اللّوم إغراء     وداوني بالتي كانت هي الداء 4(*)

وكذلك يقول شاعر آخر :

نور الحفلة ساطع والأسهام تبــيد       والناعسات عيونن زي الصيد في بيد

فيهن واحدة فاتنة وليها الناس عبيد        ما بتحصر وصـوفا  ولو يبعث لبيد (*)

   ورغم أن النموذجين السابقين استشهد بهما هنا على سبيل المثال لا الحصر ، لكنّهما يكفيان للدلالة على أن شعراء الأغنية الحديثة في السودان لهم ثقافة شعرية عربية قديمة كانت بالنسبة إليهم أدوات تعبيرية ومؤثرات ربطت الماضي التليد بالحاضر المتطوِّر .

2/ ثقافة إسلامية في أشكالها المختلفة :

    ولا غرو ، فالثقافة الإسلامية في السودان تمثل الخلفية الثقافية للقدر الأعظم من المواطنين أيّاً كانت درجة تعليمهم وثقافتهم.(6) وفيما يلي بعض النماذج الشعرية التي تشير إلى هذه الحقيقة:

– يقول الشاعر سيد عبد العزيز: 1(*)

الثقافة العامة حرام في  وسطنا تهزل       ادخلولا القول  الرصين الأجــــزل

أجعــــلولا أساس الكتاب المنزل       للرجال في الخارج والنساء في المنزل

يسمو بالأفكار على السّماك الأعـزل      وحبّذا تعـــليم قام عـــلى إيمان (7)

فهو يدعو إذن إلى جعل القرآن الكريم أساساً للنهوض بثقافة الناس عامّة . كما يقول الشاعر نفسه في قصيدة أخرى :

دعجة ومكحّلة خلــقة عظّــما الرحـمن      بكمال جمال الخلقة ووشحة الإيمان

هي في الجمال زي (يوسف) والوهيبة كمان      تمتاز بديسـاً طايل وبي نهيد رمان(8)

    فهنا يشير الشاعر في الشطرة الأولى من البيت الثاني إلى جمال نبي الله يوسف بن يعقوب عليهما السلام ، وقصّته مع (وهيبة) المصرية – امرأة العزيز ، والتي افتتنت بجماله  وهي قصة من القصص الشهيرة التي رواها القرآن الكريم بإفاضة . كما يلاحظ كذلك نوع من الخصوصية في التعبير الذي استهل به الشاعر الشطرة الثانية في البيت الأول ، فكل من له صلة بأدب الصوفية وأساليب تعبيرها الخاصة يحس علي الفور- من قول الشاعر (بكمال جمال الخلقة) أثراً لذلك الأدب وأساليبه الخاصة . والخصوصية هنا تتمثل في إضافة الجمال إلى الخلقة ، ثم إضافة الكمال إلى الجمال . فهذا أسلوب يفيد دقة  في تخصيص المعاني كان الصوفية أكثر الناس إدراكاً له.(9)

كما يقول الشاعر عبيد عبد الرحمن(*) :

يرضيني ما  يرضــيك           والناس أمــورا  أمور

ومحال أسيــبو هواك                 إذا الســـماء تمـور(10)

وواضح هنا أن الشطرة الرابعة تشير إلى آية من القرآن الكريم حيث يقول جلّ من قائل :

( يوم تمور السماء موراً ) (11) .

3/ ثقافة تاريخية عربية مرتبطة بالتأريخ العربي القديم بخاصّة ، وبالسّير الشعبية التي تحكي عن العرب . وفيما يلي بعض النماذج التي تشير إلى ذلك :

يقول الشاعر إبراهيم العبادي 1(*) في مجموعة من الفاتنات :

ليهن جبرة أشبه بي ملوك الحيرة

 ومن العين حوى الآمن بُه قبل بحيرة(12)

 فملوك الحيرة وهم المناذرة كانوا ذوي سطوة لدى العرب .أما (بحيرة) فهو ذلك الراهب اليهودي الذي تقول عنه الرواية إنّه أول من توسم في رسولنا الكريم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، سمات النبوة والرسالة(13). ويقول الشاعر سيد عبد العزيز :

 أنا ليّ فيـــك نشـيد        بدُرر صــفاك مشـيد

يوزن مُـلك جمــشيد        والفي زمــانه رشـيد(14)


يتبع


التعليقات
  1. البشاوى كتب:

    الرائع دكتور الفاضل –لك الاحترام
    العزيز الغواص نيام لك التخية
    من اول وهلة قرأت هذه المقدمة ووصلت لنهايتها ( اصابنى الحرد من التعليق بسبب يتبع هذه )
    وانت تفرأ تحس بأنك تدخل جسدك فى عز الصيف عبر شاطئ بحر لطيف يزيل عنك بؤس الحر وسخف الحياة واحباطاتها المتوالية — ان الكتاب اوله ينبئ عن روعة قادمة تغيد للنفس بعض الرضا والتفاؤل والفرح — دعونا نغوص اكثر مع الفاضل وصائده نيام —

    • fadilsnosi@yahoo.com
      البشاوي:
      نتشرف و نبتهج بتواصلكم و ان شاء الله تشريف حتي الثمالة ان كان في الكأس باقي..
      شمباتي:
      لكم منا الود و ان شاء الله المساحة البتشيل اثنين حتشيلنا كلنا و المعانا
      عزت:
      الابداع فيه متسع للجميع و نعم الله لا تحصي و ما ضاقت سماء بنجومها ، فقط علينا ان نقف و نتأمل كثيرا …

  2. اى لا حولاااااااا ,,
    انت دخلت وعلقت كيف !!؟
    الحبيب نيام الغواص ,,,
    غوص فى اعماق الفاضل وغوصنا معاك ,,
    وغوصنى وتفنن !

  3. عزت كتب:

    أيوه كدا رجعونا لي زمن قف تأمل…
    شكرا دكتور شكرا نيام نيام
    انشاء الله الحلقات تكون كل يوم…

  4. نرحب بدكتور الفاضل فى بيته واهله ونتمنى طيب المقام له فى سوداننا.

    عمنا نيام تحياتنا واحترامتنا واشواقنا الشديدة ليك. وعلى الاضافات القيمة

  5. التركــــي كتب:

    ياسسسسسسلام أهي دي المدونة البنعرفها …. شكرا كبيرما واستاذنا الغالي نيام …. يسلم فكرك وقلمك دكتور الفاضل وفي انتظار المزيد عشان نسخن ونقدر نعلق بدل الهترشات دي

  6. الاحبة الاعزاء دكتور عزت ،ِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِشمباتي ،بشة،استرايكر و التركي تحياتي لكم جميعا كل عشمنا ان نعيد المدونة سيرتها الاولي و نعيد الايام الحلوة لمان كانت كل الناس بتتداخل يوماتي نحن في انتظار ابكرون بشار سنكل افلي سمسمة قرن شطة زووووووول و ولد الخلا في انتظار شقرود عبدالرحمن سانتويد بت وراق ودالزبير ود المهدي و العصي الممتنع صاحب السحر المتفرد جبرا كما كنا بربطة المعلم و ربي يسلم و ما فاتني من اسماء ليس اهمالا و لكن دب الزمن في الذاكرة اعمالا وهدما تحياتي لكم و للدكتور الفاضل السنوسي الذي متعنا بهذا الكتاب الرائع…

أضف تعليق