الدور الوطني لفن الغناء والموسيقي 2

Posted: الثلاثاء,21 ماي, 2013 by neiam in ادبية

 دور النظم الشعبي الوطني :.

تمثل الكلمة الشعرية الغنائية إحدى أسلحة المقاومة ، أو قل أسلحة التعبير الوطني عموما  وقد كان للكلمة الشعبية الدارجة عموماً قصب السبق والأولوية في مجال التعبير الوطني ذاك ، لما لها من سبق علي النظم الفصيح انتشاراً وتداولا وتأثيراً علي المواطن العادي  ولعل من أهم ما أهله لذلك التفوق – إلي جانب بساطته وسهولته – ذلك الصدق الذي يتميز به ، والذي آيته واقعيته المستوحاة من البيئة ،

فمن اللغة الدارجة المعبرة عن السواد الأعظم للشعب ، حاول الشعر الشعبي أن يفسر تاريخ الأمة ، وأن يسجل أمجادهاً ويصور بطولاتها عبر نضالها الثوري علي امتداد رقعه الوطن . وقد نجحت الكلمة العامية في محاولاتها تلك ، فحملت هموم الأمة وصورت آمالها وآلامها وأحلامها في الحياة . فما من حدث تأريخي إلا وكان الشعر الشعبي سباقاً في تسجيله وله فيه القدح المعلي دون ألوان الشعر الأخرى . والباحث في الأدب الشعبي السوداني – سواء كان شعراً غنائياً أو مديحاً يجد أن ثمة خصائص تميز بها ذلك الأدب . فالأصالة والصدق في التعبير والواقعية البعيدة عن الخيال الشعري الجامح هي من صميم مميزاته . ولا غرو أن المتعامل معه والمتلقي عنه يري من خلاله وجه السودان الحق بأهله وكيانه وبعاداته وتقاليده وبمعتقداته يطل من وراء السطور بل لابد أن يلمس ويتذوق ويتبين طعم القومية السودانية ذات اللهجات المحلية المختلفة(1) .

إذن فهذه هي آية الصدق وآية الأصالة والواقعية . وكلها دلالات واضحة علي أن الأدب الشعبي يمثل وجه السودان أجمل تمثيل ، ويجلوه أروع جلاء . فالإنسان يستطيع من خلال دراسة الأدب الشعبي بألوانه وأنماطه المختلفة أن يتفهم تاريخ البلاد عبر القرون . فالكلمة العامية لم تكتب عبثاً ، وإنما كتبت لغاية مثلي تتسامي عن مجرد الطرب والتمايل رقصاً له ، بل إنها موسوعة علمية يستقي منها أسس التربية الوطنية والتربية الدينية لأبناء الوطن .

ومن هنا فهو جدير أن يحتل مكانه المنهجي في المؤسسات التعليمية علي تفاوت مستوياتها(2) .

وبذا فإن الأدب الشعبي الأصيل يمثل تاريخ الأمة وحضارتها وثقافتها وسياستها قبل أن يكون أغنيات تعزف علي الأوتار وعلي إيقاعات الدفوف والطبول . وهذه هي حقيقة الأدب الشعبي ، فليقتبس الناس منه تلك الجوانب المشرقة الدالة إلي الفضيلة والهداية وكافة الصفات الأخلاقية العالية . فهو أدب عانق التاريخ الوطني وسجل الأمجاد والبطولات دفاعا عن الدين والأرض والعرض(3) .

هذا وفي خضم ذلك الأدب الشعبي يبرز ويتميز دور المرأة السودانية بمساندة الثوار وتسجيل الأحداث والأمجاد والبطولات في شعر شعبي رائع . وهناك مواقف وطنية سجلتها نساء سودانيات في مراحل تأريخية ثورية متباعدة من الزمان ومختلفة في المكان ، وهي أحداث دورية من أهم الأحداث كان دور المرأة فيها  يستحق الإشادة والتسجيل والخلود ، لأنه يبرز وجه المرأة السودانية عبر قرون من الزمان ويبرز تأريخها ويربطها ربطا أدبيا بتأريخ المرأة العربية منذ قرون بعيدة .(4).  .

فالمرأة السودانية تشبه في نضالها إلي حد بعيد المرأة العربية في شجاعتها وفي غيرتها وفي كرمها واعتزازها بنفسها وبقومها وبحبها لترابها(*).

 ومن جهة أخري فقد عرفت المرأة السودانية عبر تاريخها بعشقها للرجل الشجاع عشقا لا يدانيه عشق . فهي تعشقه حتى ولو لم يكن من أبناء قومها . فالمسألة عندها إذن ليست مسألة نرجسية ، أو مجرد تحيز أعمي لقومها أو وطنها – علي سبيل المكابرة ، ولكنها مسألة مبدئية نابعة من عشق وانحياز للمبادئ والمثل والصور البطولية في أرقي درجاتها . فهي تعشق الشجاعة والبطولة وما يدور في فلكها من مُثل وصفات لا تقبل ببديل لها في شخص الرجل الحقيقي . ولا غرو ، فهذه هي المقاتلة الفارسة الجادة – شغبة1(*) – وإن امتد عصرها خلف النطاق الزماني للبحث ، بما أنه يرجع إلي فترة السلطنة السنارية ، نتناولها كمثال لما ذكر ، فهي تصور مشهداً رائعاً لبطل من أبطال العدو أعجبها كره وفره ، وقد طُعن في المعركة واستمر يقاتل وهو يحمل أمعاءه في يده . فقالت معجبة بشجاعته وصبره علي المكاره : (5)

مــــا ببكيك وجاهاً ولا بكابر بيك           يا لفاح مصارينك فوق جرايد إيديك

يا الفارس المتل  حب العروس عينيك           علامات الأسد المربعن جميعن فيك(6)

ولا عجب أن تلتفت تلك الشاعرة ذاتها، وفي مــوقف آخر ،وقد قتل زوجها (ود أقلش)– وهو من وجوه القوم في قبيلتها كما قتل أخوها ،فهي لا تملك إلا أن تقول :-

راحــوا النيِّرين تلو تلو البماسحوا الكيل      ود نوَّاي كِتل فارس التقيلة أم شيل

ود أقلش يكفِّي لي  هوايــــــد الليل     (شغبة) وين تقبل بي كبيدة الفيل (7)

فشغبة ، وقد رأيناها تعشق الرجل الفارس الشجاع ، نجدها بنفس المستوي تكره كل الصفات المناقضة لصفات الفروسية والشجاعة في الرجل أيا كان ، حتى ولو كان من أقرب الأقربين إليها بل حتى ولو كان ابنها وفلذة كبدها . ولذا نجدها تتبرأ من ابنها (حسين) لعكوفه فقط علي تحصيل العلم ، وعدم اهتمامه بما يلفت إليه أنظار الفتيات في أعمال الفروسية – كركوب الخيل وغشيان المعارك حيث يصيب ويصاب . والشاعرة كذلك تلخص جوهر الحياة بالنسبة للبدوي ، إنها شهامة وفروسية أولاً وأخيراً (8).

فها هي شغبة تقول مخاطبة ولدها حسيناً :

يا حسين أنـــا أمــــــك              وأنت مـــــاك ولــدي

بطنـــك كــــــــرشت              غــي البنات نـــافــي

دقنـــــك حـمـــــست             جلــدك خــرش ما فـي

لاك مضـــــــــــروب             بحـــد السيف نكمِّد  فـي

ولا  مضـــــروب بــــي             لسان الطــــير نفصِّد في

متين يا حسين أشوف لوحك معلَّق              لا حسين كِتِل لا حسين مفلَّق

لا حسين ركب للفي  شايتو غلـَّق              قاعــد للزكاة ولقط المحلَّق(9)

إنها تهجو ابنها وفلذة كبدها حسينا بعد أن لمست فيه بوادر تدل علي ميوله للسلم والهدوء والسكينة ، وهي التي لا تريد الهدوء والسكينة – لأنها ” شغبة ” . فتخاطب ابنها بأسلوب فيه هجاء وتقريع  وتبكيت كما تقدم من أبيات . وذلك لأنه منذ صباه وحتى شرخ شبابه لم يأت إليها يوما جريحاً في معركة من المعارك ، حتى ولو في الإشتباكات التي تحدث عادة بين الصبية والشبان. ولقد صورت ابنها بأنه ” فكي خلوة ” متزمت لا يميل إلي عشق الفتيات وكسب وُدِّهن(10).

 وفوق ذلك فان المرأة السودانية لم يقف دورها عند حد إرسال الكلمة الحماسية إذكاءً لنار الحماسة في صدور الرجال ليمتشقوا سيف الجهاد والقتال ، بل هي نفسها في كثير من الأحيان – إن دعا الداعي – تبادر لامتشاق ذلك السيف بنفسها لتقف إلي جانب الرجال الفرسان جنبا إلي جنب تقاتل كما يقاتلون . ومصداقا لذلك فها هي المغنية المقاتلة شريفة بت بلال(*) تعلنها صريحة مفاخرة بنفسها مغنية:

أنــــا شريفة بت  بــلال ، هى  يوهي

بت العسكر القــــدام ، هي  يــوهـي

أنا شريفــــة  بت بلال ، هي  يــوهي

بت العسكــــر النظام  ، هـي يــوهي

سنـة حرابة  سنار ، سنة الكِبس  والشوتال

أنا حـاربت مـع الرجــــــــال (11).

إذن لا فكاك ولا مندوحة للرجل السوداني عن إنتضاءً سيف الجهاد دفاعا عن شرف الوطن وامتثالا لواجب البطولة والفروسية ، ذلك الواجب الذي فرضته بيئة الوطن الاجتماعية والتي جبلت علي الشجاعة والفروسية .

ولذا فالويل والثبور لكل من يعادي الوطن أو يتجرأ عليه في أية صغيرة أو كبيرة، بل لكل من لم يواكب نظم وقوانين تلك البيئة .

ومن هنا تتجسد أمام الجميع أروع صورة أدبية لشخصية البطل السوداني رسمت بريشة المرأة السودانية الشاعرة المقاتلة التي وقفت إلي جانب السيف والرمح تحمي ظهور الثوار بالكلمة الغنائية الشعبية ، والتي كانت أقوي فعالية من وقع السهام في غلس الظلام ، علي صدور الأعداء وهذا كله يقف دليلاً علي الدور التاريخي الذي لعبه الشعر الشعبي الحماسي في تاريخ الوطن الثوري الطويل (12).لسودان :.


 يتبغ

 

 

 

 

 

 

التعليقات
  1. neam كتب:

    صحيح أن الكلمة اقوي من السلاح بل أن الكلمة التي تعبر عن الحق هي امضي من السلاح …وفي كثير من الشعر السوداني الشعبي نجد ان الكلمة قد ادت دورا مهما في تهيئة الشعب لنيل حقوقه…وفي غير مكان نلاحظ ان الشاعرة اقوي نفرة من الشاعر في تسخين عروق المحارب و تصلية الحماسة في عروقه…و الشاعرات السودانيات و هن كثر كن ابان فترة الاستعمار هن اللواتي اثرن حفيظة الشجعان من بني جلدتهن فخاضوا الخطر.
    و المتتبع للشخصية السودانية يجد انها تثار حفيظتها و تبلغ شأنا خطيرا بغناء الحماسة او ما نسميه الحكامة فهي تدفع بالفارس دفعا ليبلغ المحال..
    شكرا دكتور الفاضل فقد تمتعنا بكتابتك..

  2. neam كتب:

    يا حسين أنـــا أمــــــك وأنت مـــــاك ولــدي
    بطنـــك كــــــــرشت غــي البنات نـــافــي
    دقنـــــك حـمـــــست جلــدك خــرش ما فـي
    لاك مضـــــــــــروب بحـــد السيف نكمِّد فـي
    ولا مضـــــروب بــــي لسان الطــــير نفصِّد في
    متين يا حسين أشوف لوحك معلَّق لا حسين كِتِل لا حسين مفلَّق
    لا حسين ركب للفي شايتو غلـَّق قاعــد للزكاة ولقط المحلَّق(9)

    يعني يا دكتور حسين دا حقو راح ..حتي امو شطبتو عشان قاعد يلقط في المحلق (البياض) …
    من هنا نفهم ان المرأة السودانية لا يهمها ان كان ابنها او غيره هو المهجو بل يهمها ان يكون فارس و كفي…

  3. ودالخلا كتب:

    سلام ياقبيلة،،
    صديقي العزيز نيام ،بلغني أنك لمتني، وتلك التي أهتم منها وأنصب، فياصديقي مشاغل الدنيا وهمومها شغلتني فلك العتبي حتي ترضي، وأما يا صديقي فموضوعك الحيوي والهام هذا عن الشعر والغناء والموسيقي ففيه نظر وأقوال ، ولست هنا بمن يفتي بهذا او ذاك ، ولكنني أدلو بدلوي من منظوري الشخصي البحت وأتحين الفرصة والميل ناحية الحق ما إستطعت إليه سبيلا”، فإن أصبت فمن ربي ، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، ولا أزكي نفسي علي الله أبدا، وفي هذه القضية، قضية البحث والغوص في مجال الغناء والشعر والموسيقي والتي أعتبرها واحدة من القضايا الكثيرة والمثيرة للجدل في حياة أمتنا، نعايشها دوما”، ولها قدرها في ميزان الدين، وهي بالطبع ليست قضية اعتقاد، أوتعبُد، ولكنها ذات أثر بالغ ودفين في واقع حياتنا المُعاش، ذلك من جهة أنها جزءاً يقع ضمن دائرة الحلال والحرام، والذي هو من أخطر أبواب شريعة الإسلام، لصلته المباشرة بحدود الله عز وجل التي أوجب حفظها وحرّم تجاوزها.
    لذلك يا صديقي عندما إضطلعت علي المقال لأول مرة بعد أن أخطرني صديقي (بيشو) به، لا أكذبك القول فقد تحسست مسدسي من حينه، وتلفت يمنة ويسرة، وقلت لنفسي هذا حديث لا يصح الإندفاع فيهو توا” دون تدبر أوتعقل، ولابد من تجهيز العدة والعتاد، ومن ثمَ نسيت الموضوع وشغلتني الحياة ودارت دورة الأيام، فإذا نحن مع الزمن أغراب ، فلابد من تجديد اللقيا ولابد من أن يلتقي الأحباب ، وفجأة ترنُ مسرتي، ومما سرني أنها كانت من طرف الصديق بيشاوي مرة أخري، وقبل الرد عليه تذكرت حديثه ذاك (العجولا) عن الدور الوطني لفن الغناء والموسيقي، وهنا لابد من وقفة عند الحديث عن الموسيقي والغناء ودورها في حياة الناس ومعاشهم، ومن هنا يا صديقي سنبدأ بإذن الله تعالي،،،

  4. التركــــي كتب:

    الاخوة الأعزاء سلام الله عليكم …. بما أن فن الغناء جزء لا يتجزأ من الشعر فقد استمتعت جدا وأنا أقرأ النشر الثاني من الدكتوراة وقد بحثت عما يدحض أو يؤكد لي معلومة كنت قد قراتها منذ زمن ومفادها أن الانسان السوداني عرف الشعر قبل اللغة العربية وان لم تخني الذكرة كان ذلك في القرن الثامن قبل الميلاد … أرجو الافادة وفي انتظار المزيد من ابداعاتك يادكنور وان شاء الله ستكون لنا مداخلات

  5. ودالخلا كتب:

    سلام ياقبيلة،،
    البداية يا أصدقائي قصدت أن تكون (تأصيلية) نعم تأصيلية يا سادتي، (وأعلم أن هذه الكلمة قد تُثير الكثيرين من أصدقائي الألداء، وتجعلهم يتحسسون مسدساتهم) فلا يمكنني يا أصدقائي الحديث عن دور الشعر والموسيقي وتأثير ذلك في الوجدان الوطني مالم أربط ذلك بواقع المواطن السوداني موضوع التأثير، وموقع ذلك من الخلاف الدائر حول قضية التحليل والتحريم للأغاني والموسيقي… فالحديث شائك أو كما يقولون ذو شجون، فمعذرة يا صديقي دكتور السنوسي – فقد إعتدنا في هذه المدونة أن نفلق ونداوي في آن واحد كما يقول المثل – ولا يمكنني يا صديقي من إيصال وجهة نظري علي الوجه الصحيح دون أن يفهمني الآخرون خطأ، فلو أخذنا لذلك مثالا” إحدي القصائد وإرتباطها باللحن الموسيقي والأداء بالصوت النسائي ومضمون كلماتها يتعلق بدور المرإة في بناء الوطن، فهل نستطيع القول بأن هذه الكلمات والألحان والأداء تندرج تحت باب اللهو المحرم…
    يا فتاة الوطن يا خير البلاد أنيري الوطن بنور الرشاد..
    وأنشري العدل وسيري للأمام إنما العدل بشير للسلام..
    كلمات رفيعة وسامية ما أحوجنا لها في أيامنا هذه لتداوي لنا تلك الجراح المثخنة والآلام، وهذه الكلمات كما نعلم تندرج تحت الأخلاق والسلوكيات الرفيعة، ولكنها تؤدي باللحن والموسيقي والصوت النسائي فكيف نوفق بين هاتيك (الجراح)؟؟؟

  6. neam كتب:

    ودالخلا:
    ماهو الفافنوس ماهو القليد البوص
    ودالمك عريس خيلا بجن عركوس
    ان وردن بجن في اول الواردات
    مرنا مو نشيط ان قبلن صادات
    صديقي الودووود ودالخلا تحية و احترام فقد كلفت نفسك فوق جهدها لترضيني و تطيب خاطري بتعليقك علي هذا الموضوع و بالمناسبة هو ليس موضوعي انا فهو كتاب لصديق هو دكتور الفاضل السنوسي بذل فيه جهدا مقدرا حتي نال فيه درجة الدكتوراة من جامعة الجزيرة وهي ادري بان كان مثل هذه المواضيع التي تغني للوطن تمس الدين او تكره الناس علي التعليق..
    ثم ان غناء الحماسة و الرجولة و التربية الحسنة التي تثير في الرجل النخوة و الفروسية كانت حتي في صدر الاسلام و قد اقر الاسلام من الجاهلية كلما لا يتعارض مع الخلق الحسن و معاني الكرم و النخوة فلا احسب ان في ذلك ما يمس الشريعة او الدين في شئ..
    تأثرت الحماسة في صدر الإسلام بمفهوم الإسلام ومبادئه فصارت دعوة إلى القيم الإسلامية ،والبعد عن التعصب القبلي ونبذ الفخر الكاذب، وحلت محلها الروح الجماعية والإيمان بالعقيدة والدعوة إلى الجهاد وكان الشعر سلاحاً في المعركة الفاصلة بين الإيمان والكفر .
    يقول كعب بن ما لك مفتخرا بيوم بدر :

    ويوم بدر لقيناكم لنا مـدد فيه مع النصر ميكال وجبريل

    إن تقتلونا فدين الله فطرتنا والقتل في الحقّ عند الله تفضيل

    ويقول حسان بن ثابت مفتخرا بجند الأنصار :

    وقال الله قد يسرت جنـدا هم الأنصار عرضتها اللقاء

    لنا في كل يوم مـن معـدّ سباب أو قتال أو هجـاء

    ويقول أبو الأسود الدؤلي مترفعا عن الجهل :

    إني ليثنيني عن الجهل والحنا وعن شتم ذي القربى خلائق أربع

    حياء وإسلام وبقيا وأنني كريم ومثلي قد يضرّ وينفع
    وفي هذا السفر اورد دكتور الفاضل امثلة كثيرة لمثل هذا النوع من الادب قالت شغبة السنارية تمدح احد الفرسان:
    مــــا ببكيك وجاهاً ولا بكابر بيك يا لفاح مصارينك فوق جرايد إيديك
    يا الفارس المتل حب العروس عينيك علامات الأسد المربعن جميعن فيك(6)
    هذا وان كان الفارس من عدوها فلم يثنيها ذلك عن تلمس روح الشجاعة و الاقدام في معدنه.
    وقالت لابنها الذي كان يمارس مهنة الفكهنة اي (عامل فيها فكي بخرات يشيل و يقبض في البياض):
    دقنك حمست غي البنات مافي
    بطنك كرشت جلدك خرش مافي
    فاين اذن ما يجافي الدين او يدعو الي الخذلان و التقاعس و لعلي قد فهمت قصدك من ان تؤدي المرأة مثل هذا النوع او غيره من فن الغناء فهذا امر لم تتطرق له الرسالة و هذا امر لا يختلف فيه اثنان فانا معك فان كل صوت المرأة عورة حتي انها قد اعفيت من الجهر في الصلاة…
    هل ما زلت تتحسس مسدسك..
    التركي:
    الحبيب التركي سلام عليك ..لقد عثرت علي ما يلي لعله يشفي جزاء من غليلك..وخلاصته ان السوداني كان يقرض الشعر بلغته ثم بعد ذلك بعامية عربية يحبها بعض العملاقة امثال الدكتور عبدالله الطيب و سأسال لك دكتورنا عن ذلك كذلك..
    ﺗﻘﺎﺳﻢ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﻗﺒﻞ ﻣﺠﺊ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﻣﺠﻤﻮﻋﺘﺎﻥ ﻫﻤﺎ ﺍﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﺍﻟﺰﻧﺠﻴﺔ
    ﺍﻟﻨﻴﻠﻴﺔ ﻓﻰ ﺍﻟﺠﻨﻮﺏ ﻭﺑﻌﺾ ﺍﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﺍﻟﺤﺎﻣﻴﺔ ﻓﻰ ﺍﻟﺸﻤﺎﻝ ﻭﺍﻟﺸﺮﻕ ،ﺛﻢ ﻗﺎﻣﺖ ﺑﻌﺾ
    ﺍﻟﻤﻤﺎﻟﻚ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ ﻓﻰ ﺷﻤﺎﻝ ﻭﻭﺳﻂ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ، ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻰ ﻟﻠﺜﻘﺎﻓﺔ
    ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻰ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﻳﺒﺪﺃ ﺑﻌﻬﺪ ﻣﻤﻠﻜﺔ ﺍﻟﻔﻮﻧﺞ ﻗﺒﻞ ﺧﻤﺴﻤﺌﺔ ﻋﺎﻡ ﺑﻌﺪ ﺍﻧﻬﻴﺎﺭ
    ﺍﻷﻧﺪﻟﺲ ، ﻭﻗﺪ ﻋﺮﻑ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﻗﺒﻞ ﺫﻟﻚ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺓ ﻭﺍﻟﻰ ﺃﻳﺎﻡ ﺍﻟﺨﻠﻔﺎﺀ
    ﺍﻷﻭﻝ ، ﺣﻴﺚ ﻋﻘﺪ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺃﺑﻰ ﺳﺮﺡ ﺍﺗﻔﺎﻗﻴﺔ ﻣﻊ ﺍﻟﻨﻮﺑﺔ ﺳﻤﻴﺖ ﺑﺎﺗﻔﺎﻗﻴﺔ ﺍﻟﺒﻘﻂ
    ﺗﺴﻤﺢ ﺑﻤﻮﺟﺒﻬﺎ ﺑﺪﺧﻮﻝ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﻋﺎﺑﺮﻳﻦ ﻏﻴﺮ ﻣﻘﻴﻤﻴﻦ ﻓﺘﻮﻏﻠﺖ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﺟﻨﻮﺑﺎً ﺑﺤﺜﺎً
    ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﻭﺍﻟﻜﻸ. ﻭﻗﺪ ﺣﻤﻠﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻣﻌﻬﺎ ﻟﻬﺠﺎﺗﻬﺎ ﻭﻇﻠﺖ ﺗﺘﻔﺎﻋﻞ ﻣﻊ
    ﺍﻟﺒﻴﺌﺔ ﺍﻟﻤﺤﻠﻴﺔ ﻣﺪﺓ ﺗﺴﻌﺔ ﻗﺮﻭﻥ ﻣﻤﺎ ﺃﺣﺪﺙ ﺗﻐﻴﻴﺮﺍً ﺟﻮﻫﺮﻳﺎً ﻓﻰ ﺷﻜﻞ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ.
    ﻳﻌﺮﻑ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺌﺔ ﻟﻐﺔ، ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺳﺘﺔ ﻭﻋﺸﺮﻭﻥ ﻟﻐﺔ ﻳﺘﺤﺪﺙ ﺑﻬﺎ ﺃﻛﺜﺮ
    ﻣﻦ ﻣﺌﺔ ﺃﻟﻒ ﻧﺴﻤﺔ ﻓﻰ ﺁﺧﺮ ﻣﺴﺢ ﻟﻐﻮﻯ . ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻟﺘﻨﻮﻉ ﺍﻟﻠﻐﻮﻯ ﻳﺴﻨﺪﻩ ﺗﻨﻮﻉ
    ﻗﺒﻠﻰ، ﺣﻴﺚ ﻫﻨﺎﻙ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺧﻤﺴﻤﺎﺋﺔ ﻗﺒﻴﻠﺔ ﺃﻭ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺍﺛﻨﻴﺔ ﺗﺘﻌﺎﻳﺶ ﻓﻰ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ
    ﻣﻊ ﺍﺣﺘﻔﺎﻅ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺜﻘﺎﻓﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺍﻟﺘﻰ ﺗﻌﺒﺮ ﻋﻦ ﻫﻮﻳﺘﻬﺎ ،ﻭﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ
    ﻭﺍﻟﻬﻮﻳﺔ ﻭﺛﻴﻘﺔ ﻓﺎﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻫﻰ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺍﻵﺩﺍﺏ ﻭﺍﻟﻔﻨﻮﻥ ﻭﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺎﺕ ﻭﺍﻟﻄﻘﻮﺱ.
    ﻭﻗﺪ ﺗﻨﺒﻪ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﻏﻴﺮ ﻗﻠﻴﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﻭﺍﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻴﻴﻦ ﻭﻏﻴﺮﻫﻢ ،
    ﻭﻣﻦ ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻟﺒﺮﻭﻓﺴﻮﺭ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻄﻴﺐ ﺍﻟﺬﻯﻜﺎﻥ ﻣﺘﺤﻤﺴﺎً ﻟﻠﻌﺎﻣﻴﺔ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻴﺔ ﻓﻬﻰ
    ﻋﻨﺪﻩ ﻣﻦ ﺃﻓﺼﺢ ﺍﻟﻠﻬﺠﺎﺕ ﺍﻟﻌﺎﻣﻴﺔ ﻭﺃﻗﺮﺑﻬﺎ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﺴﻼﻣﺔ ﻭﺍﻟﻨﺼﻮﻉ ﻭﺃﻭﻓﺮﻫﺎ ﺫﺧﻴﺮﺓ
    وهنالك امثلة كثيرة اسوق منها غناء الفنان محمد وردي بالرطانة الحلفاوية
    اشنقي وشي شنقيل
    امنقار امين قشو
    اسمر لون قرشا
    ابكا ايجليا كمشكا
    ثم هنالك فنانون اخرون من مناطق كثيرة في هذا الوطن العريض فالغناء الهدندوي و البجاوي و اخوانا الدينكا و النوير وغيرهم ممن كان يذخر بهم هذا الوطن الغالي..

  7. التركــــي كتب:

    شكرا العزيز نيام امدك الله بالصحة والعافية … لأعتقد ان حكزة الملك طنبل يحسب ضمن الشعراء التقليدييم وقد قال ان الشعر صورة حقيقية لنفس الشاعر … وطبيعة الانسان السوداني الدينية تؤكد رساخة المدائح والاناشيد الدينية خاصة بعد دخول اللغة العربية والديانة الاسلامية … وكلما ابتعد النظم عن الشعائر استهجن حتى ان الشاعر عبدالله عبدالرحمن عبر عن ذلك بقوله

    لعمرك ان الشعر أصبح ماجنا قوافيه من تحنانها تتأود
    وأصبح غثا في الركاكة ضاربا بسهم وعما سنت العرب يبعد

    فهل ياترى بعد دخول اللغة العربية تخلى شعراؤنا عن النظم باللهجات واللغات المعروفة لديهم وتمسكو بالأشعار العربية لدرجة وضعها كمعيار للشعر السوداني ….

  8. ودالخلا كتب:

    سلام ياقبيلة،،،
    يا صديقي نيام هل أنت تقصد ما تدعيه بأنني كنت مُكرها” علي التعليق!!!
    لا يا صاحب البرد الطويل نجاده أهكذا يكون حكمك فينا؟؟
    يا صديقي نيام لا تعجل علينا وإنظرني أُخبرك الخبر اليقينا…
    بأنني أكتب إن وردت (سوداننا) طوعا” ويكتب غيري مكرهينا…
    ماكان قصدي أنك أكرهتني علي التدوين، ولكنني فهمت أنك كريم بن أناس كرام ولا تحب الأكل وحدك كما يفعل اللئام، فقد أعجبتك مائدة صديقك الدكتور السنوسي وأحببت ان يشاركك فيها أصدقاؤك وأحباؤك وندماؤك و(نددتك) من أولئك الذين ذكرتهم بأسمائهم وبالطبع فقد كنت أنا أحدهم، ووددت أن يشاركونك البهجة والمؤانسة بما لذّ وطاب من أنواع الأدب والشعر المموسق والموسيقي، وودت يا صديقي أن أتبين موطئ قدمي وأتبين قبل الخطو موضعها، لذا إبتدرت حديثي بذلك المدخل وراحة يدي تتحسس مسدسي خوفا” من هكذا كلام!!
    فشعر الحماسة والجهاد والفخر بالدين والوطن وتزكية النفوس وتربية النشء علي مكارم الأخلاق والمدوامة علي التمسك بها (كما في تراثية حجر الظلط) وشعر الكوارث ومقارعة الخطوب (كما في تراثية ترسو البحر صددو) والشعر العفيف وذكر المناقب والمحاسن دون تحلل وإبتذال هي ما كنت أقصده وما كنت أنوي الإبتدار بغيره، ولكنك يا صديق قوم تستعجلون.

  9. neam كتب:

    التركي:
    حقيقي ان الشعر مرآة شاعره و الا فانه مسخ مهترئ لا يهز الشعور و لا يكلف الناس جهد قرأته و ان الحكرة كانت و مازالت في الارياف من وطني مواطن تجذب اليها اهل الادب من كل حدب و صوب و لا يفترض في الاديب ان يكون قد درس المدارس او تلقي الحروف علي معلم بل هنالك من شعراء السودان و بواديه قوم يقولون الشعر هكذا كما يشرب الماء..وما من قرية الا و كان لها من الشعراء افذاذ الكلم ودهاقنة الحرف و ان رأيتهم تحسبهم لا يفقهون شيئا ..
    ودالخلا:
    الصديق الودود اللدود ابن الخلاء (ودالخلا) وعهدي بهم سكان الخلاء دوما اصحاب خلق و رحابة صدر بوسع ذلك الخلاء الفسيح المريح حيث يحدقون و لا امنيات تغيب و لا كائنات تمر
    وما كنت انوي اقول الكثيـر
    ولكن برغمي تفشـي الخبـر
    وعم القصيدة ما كنت أخفـي
    وضمحهـا بشـذاك العطـر
    صديقي وهل كـان ذنبـي
    اذا كنت يوما نسيت الحذر
    ولعل نسياني الحذر معكم مصدره الالفة و الراحة التي اجدها بينكم فلا اكلف نفسي حذرا ادعيه و لا اكلف نفسي عناء الحياء معكم فقد احسست من بداية حروفك انك لا تشتهي التعليق و ان كان لا يصدك عنه صاد فخفت ان تكرهك عليه مودتك لي و احترامك لشخصنا وهذا انما من حسن خلقكم و كرم ربعكم و انتم من قوم كلاثمة:
    ونشرب ان وردنا الماء صفوا و يشرب غيرنا كدرا و طينا
    الا ابلغ بني الطماح عنا ودعميا فكيف وجدتمونا
    اذا ما الملك سام الناس خسفا ابينا ان نقر الذل فينا
    ملانا البر حتي ضاق عنا وظهر البحر نملؤه سفينا
    اذا بلغ الفطام لنا صبيا تخر له الجبابرة ساجدينا
    وانا اعلم انه ليس هنالك ما يجبرك علي التعليق و لكن عسي ان يكرهك حبك لنا و نجدتك و مؤازرتك..ثم ما هذه المسدسات التي تشرعها بين الحين و الحين و الله لئن بسطت الي يدك لتقتلني ما انأ بباسط يدي اليك لأقتلك ثم انا قوم لا نعجل الا في الخيرات..

أضف تعليق