وا لهفي عليك يا أمدرمان وأنت تسلمين الروح إلى باريها

Posted: السبت,3 جانفي, 2009 by basharibnburd in إجتماعية

 

هل وقف معتمد أمدرمان القادم من الريف عاجزاً فاقراً فاه أمام الفوضي والتخلف والسلوك المشين وعدم الإنضباط الذي اجتاح تلك المدينة ألآمنة المطمئنة التي فتحت ذراعيها لكل مستجير ومظلوم

أجبرته نير الحروب ومرارات المجاعات على النزوح اليها فكانت الأم الرؤوم التي تهدي من روع

كل مذعور وتبعث الطمأنينة في قلب كل ملتاع مرعوب . هل كان جزاؤها العقوق ممن احتضنتهم وضمتهم الى صدرها الحنون بدلاً من أن يقابل احسانها باحسانوهي تفسح مكاناً لكل قادم اليها فامتدت وترامت أطرافها غرباً حتى صارت حاراتها تعد بالمئات وتجاوزت سلسلة الجبال التي تحدها من جهة الغرب .لقد أستبيحت أسواقها وشوارعها وحتى مياه نيلها سليل الفراديس أم هل ياترى وقعت ضحية لمؤامرة قصد منها طمس الهوية وتغيير تركيبتها السكانية لأنها كانت ولا تزال وستظل عصية الإستمالة شأنها شأن كل حرة لا تفرد شعرها على كتف غادٍ أم رائح فكان مصيرها الإهمال والنسيان.

 

أن ما دعاني لكتابة هذه السطور هو الحزن والكبد الذي وقر في قلبى وأنا أشاهد الزجاجات البلاستيكية المليئة بالأبوال البشرية وهي ملقاة في قارعة الطريق الرئيسي العام أمام جامع أمدرمان الكبير وفي بعض الأحيان ربما تشاهد أكياس النايلون التي تحوي غائط البني أدمين وهي ملقاة على  جانبي الأزقة غير المطروقة  بالأسواق هل تتخيلون معي الأذى الذي تسببه هذه السلوكيات المشينة إذا ما داس أحدهم بإطار سيارته على إحدى هذه الزجاجات من غير أن يقصد؟؟؟

 

 هل كان يُظن في يوم من الأيام أن تصل أخلاق السودانيين الى هذا الرك الأسفل؟؟؟ أما شوارع سوق أمدرمان فقد أغلقت تماماً بجيش عرمرم من الباعة الغوغائيين الطفيليين وهم ينادون على بضائعهم الهامشية فيُخَّيل اليك أن جميع أهل السودان صاروا باعة متجولين والويل والثبور إن طلبت لأحدهم أن يفسح الطريق أو يتنحى الى جانبه حيث يظن أن استباحة الطريق العام حق مشروع طالما قام بدفع الأتاوة للمعتمدية، وفي ظل هذه الفوضى الضاربة بأطنابها يتسابق أصحاب (الدرداقات) للفوز بحمولة غير آبهين بالشيوخ وكبار السن من الرجال والنساء، ويقال أن أحدهم تسبب في كسر ساق إمرأة عجوز.

 

أما المضايقات والمعاكسات التي تتعرض لها السيدات والحرائر فحدث ولا حرج ونصيحتي أن تمنعوا فتياتكم أن لا يخرجن إلى سوق أمدرمان وإن خرجن فليخرجن مع محرم. أما الشوارع فقد ضاقت بما رحبت لسوء الإستخدام– وغياب السلطة وظهورها إلا بعد أن يحدق بها محدق– فقد استباح المواطنون الطرقات بالقاء الأنقاض وعمل المساطب والردميات التي تمتد الى منتصف الطريق ونزح مياه البالوعات وغسيل الملابس وطرحها في الطرق المعبدة حيث تعمل مادة الصودا الكاوية الموجودة في الصابون على تحليل المادة الإسفلتية وتحِّول سطح الشارع الى أخاديد وحفر ومطبات ( ليت ولاية الخرطوم تعطينا فكرة عن تكلفة رصف الكيلومتر الواحد).

 

هل تعلمون سادتي أن أحد مسارات شارع  أبي روف العام الذي كان في يوم من الأيام متنفساً للمتنزهين أصبح معرضاً لمنتجات أصحاب الورش على مسمع ومرأى من مسؤولي المعتمدية لا لأي سبب غير أن أصحاب الورش من دافعي الأتاوات فصار ذلك الطريق من أخطر طرق أمدرمان وأكثرها ازدحاماً حيث تمر به أرتال السيارات غدواً ورواحاً ولربما لا يعلم مسؤولو المعتمدية تاريخ هذا الشارع وإنه لم يخصص أصلا ًلورش الصناعات الحديدية التي كثيراً ما تضرر منها سكان المنطقة  وربما لا يعلم مسؤولو المعتمدية أيضاً أن محال هذا الشارع (حكرا) وانتهى الغرض الذي قامت من أجله وصارت أيلولتها للدولة . أما الأدهى وأنكأ هو التخلص من مياه الصرف الصحي والسيفونات بغاذوراتها في مياه النيل مباشرة وقد دعا الإسلام ذويه إلى حماية البيئة والمحافظة عليها نظيفة، وأحاط ذلك بسلسلة من الإرشادات القويمة في هذا المضمار؛ فجعل إماطة الأذى عن الطرق شعبة من شعب الإيمان؛ لما فيها من تأكيد على صحة البيئة وحماية الناس من الأذى أو التلوث.. يقول رسول الله: “الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق”.. وكذا نهى النبي  عن التغوط في موارد المياه والطريق، كما نهى أيضاً عن التبول في الماء الراكد.. وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله: “اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، وفي الظل”، ولاشك في أن إتيان مثل هذه السلوكيات الدنيئة يلوث البيئة ويضر بصحة الإنسان أيما ضرر؛ فالبول في الماء بعامة والراكد بخاصة يؤدي إلى انتشار الأوبئة والأمراض المتوطنة، والعدوى عن طريق انتشار الديدان الخطيرة كالبلهارسيا والأنكستوما والميكروبات المسببة للتيفوئيد والكوليرا والتهاب الكبد بأنواعه الخمسة وخير شاهد على ذلك الإنتشارالذريع لأمراض الكبد في الدولة التي تقع شمالنا نتيجة لتلوث مياه الشرب ولعل كل من زار تلك البلاد لا شك أنه لاحظ كمية الكلور ورائحته النفاذة  التي تضاف الى الماء في سبيل تقليل احتمال انتشار المرض . فلنتق الله جميعاً في أهلنا وذوينا وصغارنا وضعافنا وليتق الله فينا ولاة الأمر منا.

                                                       

ملحوظة : هذه السطور حق مشاع لكل قاريء يريد أن ينقلها لأي موقع أو مدونة أو صحيفة أو حيثما شاء.

                                 

التعليقات
  1. neiam كتب:

    بشار:
    العزيز بشار .. كان اسمها امدرمان..
    من فتيح للخور للمغالق
    من علايل أب روف للمزالق
    قدله يا مولاي حافي حالق
    بالطريق الشاقي الترام..
    عشان تاني تجووووووووو..

  2. تحياتي بشار و حمد الله بالسلامة لعودة الارسال الذي فيما يبدوا مرتبط بالبعد عن أمازونيا…

    تألمت كثيرا لوصفك لما آل اليه الحال في أمدرمان و سوقها و الفوضى التي سادته و تالمت أكثر عندما تذكرت الخواجة الذي كان يتحدث معي بأنه ذهب الى (التراديشنال ماركت) و عندما دققت معه عرفت أنه كان يقصد السوق الأفرنجي الذي كانت دكاكينه تلمع و تعج بالمفيد: البازار، أبوعاقله، الصالون الأخضر و الخطوط السعودية و أتني و التي صارت برنداتها تعج بالجزم و الموبايلات

    و شايف بحرى ايضا سائرة في الطريق فقد قاوم معتمدها لفترة سير الرقشات فيها…فهي الآن في كل مكان

  3. حاج أحمد السلاوى كتب:

    الأخ البشار بن البرد .. حمداًً لله على السلامة..والظهور بعد إختفاء الدهور بين أمدر والبحور …
    والمسالة يا أخى العزيز أننا صرنا فى نعيش عصر اللامبالاة وعدم الضمير والبلد اللى ما عندو وجيع لازم يوصل المرحلة دى ..وإن شاء الله القادم اسوأ ما دام المبدأ هو : مادام بتدفع الأتاوة المفروضة من كل العصابات فافعل ما بدا لك .. المهم أن تدفع …ولعلنا إن رجعنا للبوستات فى الأرشيف سنجد فيه الكثير من قصص دولة الجبايات ..والغريب فى الأمر أن الوزير يظهر على التلفاز ويقول لقد الغينا هذه الأتاوات والجبايات وتجد رجاله فى كل ناصية يقفون بالمرصاد …الدفع أو المصادرة أو السجن ..وكله كذب فى كذب .. ووعود جوفاء للإستهلاك المحلى فقط …وحسبنا الله ونعم الوكيل ..وما كتبته عزيزى بشار عن أدرمان العاصمة الوطنية ينطبق كما قال الأخ ابو عصمت على بقية أنحاء العاصمة التى كانت تسمى العاصمة المثلثة ..ولا أدرى ماذا يمكننا أن نسميها الآن بعد هذا الإنفجار العظيم فى الطبقة السكانية النازحة ويأقترح أن تسميها السودان …ببساطة لأن كل السودان موجود الآن فى العاصمة . فلعلك لاحظت أنك لا تستطيع أن تسير حتى على قدميك من الزحام … ناهيك أن تقود سيارة فى شوارع العاصمة .. فالمسافة من بحرى إلى أمدرمان .. بيت المال وادنوباوى .. حى العمدة .. التى كنا نقطعها فى مدة لا تتجاوز دقائق معدودات.. صارت الآن ساعات طوال تقضيها وأنت تزحف زحفاً ..ويا ويلك وسواد ليلك لو تعطلت إحدى المركبات داخل أحد الجسور ..
    أما الجرائم التى تحدث فى وضح النهار فحدث ولا حرج .. فهى نتاج طبيعى للعطالة المتفشية بين أوساط الشباب وغير الشباب .. فقد كنت أشاهد مراراً ابان وجودى فى الإجازة فى الخرطوم وما بين الساعة حوالى العاشرة والحادية عشر صباحا.. الوقت الذى كان من المفترض أن يكون العامل فى مصنعه والموظف فى مكتبه والطالب فى جامعته أو معهده أو مدرسته ولكنى شاهدت كل هذه الفئات والأصناف من البشر فى قلب الخرطوم فكنت أتساءل هل كل هؤلاء القوم أيضاً يقضون فترة إجازة كما أفعل أنا ؟ أم هذا نوع من التسيب الإدارى ؟ أم …… أم ……. والله وحده يعلم إلى اين هم ذاهبون …
    ولا أطيل عليكم .. الوضع جد خطير .. والقادم سيكون اخطر ..والله المستعان .

  4. aflaiga كتب:

    الاكرم بشار :
    بالله شوف انت قعدت ليك كم يوم وما رضيت بما آل اليه حال امدرمان !!! طيب ناس امدرمان القاعدين عمرم كلو يقولو شنو ؟؟؟ عزيزى العالمون ببواطن الامور يقولون ان هناك حربا خفيه ضد امدرمان لاعادة تشكيل تاريخها الرافض للاثرياء الجدد ولكل الافكار الجديده التى تعلى الاستثمار على مصالح المواطن !! كما ان امدرمان ظلت عبر التاريخ تحفظ ماضى وسيرة كل من عاش فيها وهى كارشيف حتمى لهذه البلاد فابحث عمن يريد الغاء التاريخ والارشيف ليستبدله بتاريخ جديد يبدا سياسيا من غزوة خليل واجتماعيا لسيرة الاحياء الجديده وغابات الاسمنت التى تلغى ملامح امدرمان القديمه .. عزيزى ان من يسعى لطمر امدرمان تحت التراب لم يسمع بتعظيم اهل البندقيه لها رغم مرور السنين … نسال الله العفو والعافية والمعافاة لامدر بل للوطن اجمع من شر ما خلق ….

  5. ابكرون كتب:

    بشار المفعم بحب امدرمان : تعرف عزيزي تزامنت اجازاتنا يعني هناك شاهد آخر من اهلها فعلا عزيزي بن برد ليست امدرمان حبيبتنا ….ترهلت وشاخت وإتسخت وصارت كلحم رأس (النيفه) …..
    وباختصار مقرفه جدا ….شاهدتها في بدايات 2008 وكذلك في نهايه 2008 بين المشاهدتين 7 أشهر فقط تتردي كل يوم من سيئ الي الأسوأ ….فوضي في شوارعها اهمال واضح من مسئوليها سوي كان المحافظ او معتمديها الثلاث ….الاوساخ في كل شبر والأتربة والشوارع المظلمة …..بعض شوارع الثورات نصبت بها اعمدة اناره جديده منذ عام او اكثر لكنها مطفئة لا انارة بها ….عجبي
    ذهبت لسوق امدرمان يوم الوقفة قبل عيد الاضحي لا تستطيع التحرك من اكوام النفايات في شوارع السوق وكمية البشر الهائمون وصراخ النساء والرجال من النشالين والمعاكسين ومرضي التلاصق ….منتهى القرف
    لا اهتمام من محلياتها كاهتمام محافظ بحري او الخرطوم ….ان كتب لك ان تقود سيارة بشارع الثوره بالنص فلا اظنها ستصلح بعد هذا المشوار….
    اخي بطني (طمت) وحاطمم بطنكم ببوست خاص عن محلية كرري التي تعاملت مع موظفيها وموظفاتها خلال معاملة اكدت لي ان الخدمة المدنية بالسودان قبرت للأبد…..

  6. بشار أحمد بشار (إبن برد) كتب:

    عزيزي أبكرون : أنا أقصد محافظ أمدرمان وليس معتمدها فقد اختلط عليَّ السوام والبقر . أشكرك على التذكير.

  7. علي سنكل كتب:

    إنت تعرف يا بشار ، أم درمان وود مدني ديل تحس بيهم تؤم في السراء والضراء ففي النضال الوطني والنشاط التحرري و مؤتمر الخريجين لعبت هاتان المدينتان الدور الرئيس في تحرير السودان من نير الاستعمار الجبان ، وفي الأدب والشعر والغناء والطرب والكوره تجد حصيله الأمازون في هذه المناحي من أم درمان وود مدني السني.

    لذلك تجد أعداء الثقافة والتمدن والوطنيه تجدهم يستهدفون هاتين المدينتين.
    نفس الوصف الذي وصفت به أم درمان اليوم واقع على ود مدني اليوم. ونفس حال سوق أم درمان اليوم حاصل في سوق ود مدني اليوم .
    والله في إجازتي الماضيه أشق السوق طول وعرض فيك يا ودمدني ولا أرى في وجوهك من أعرفه !
    وأسأل طوب الأرض وطير السماء عن ناس ود مدني مشو وين يا ربي ؟

  8. البشاوى كتب:

    بشار
    كل قولك حقيقة انها كانت القلب النابض اذاعة وتلفزيون ومسرح والمهدى والازهرى
    والنميرى قيادات وابطال لهم بصمات وأثر فى رسم وكتابة تاريخ البلد بى حالا
    وهلال ومريخ وموردة يعنى كفر ووتر وذوق وفهم كم فيها من شاعر وكم فيها من
    فنان يعنى باختصار هى السودان وكانت مقبرة الغزاة فى كررى لكن جيش من
    العاطلين عن الابداع وعن الذوق تولوا زمام قيادتها كم معتمد لايعتمد عليه وكم
    ضابط ادارى لايستطيع ضبط نفسه على كم رئيس محلية ذو كرش ماكنة وصلعة
    مضيئة ومحافظ فشل فى الحفاظ ام در ام السودان

  9. مُخير كتب:

    العلامة إبن بُرد
    أول غيثك دمعة على البقعة
    يحزننا كثيرًا ما آل إليه حالها، لكن أم دُر هي السودان المُصغر وما رأيته ينعكس عليه حال بقية مدن البلاد بأسرها، فما قاله علي سنكل عن مدني هو بعض ما رأيته في الأبيض عروس الرمال التي ترعرت فيها فزرتها ووجدت نفسي غريباً في طرقاتها ووجدت حالها لا يسُر ولفت نظري القذارة والإزدحام ومظاهر الفقر المدقع، والمسئولية تجاه هذا التدهور المريع تقع على عاتق اللامسئولين الذين يكنكشون على مقاليد السلطة دون حياء إزاء التقصير الفاضح ولا خوف من الحساب يوم الحساب. وفي إنتظار المزيد من قطراتك.

أضف تعليق